هناك قناعات مترسخة في العموم، مفادها أن كل ما يكتب بالصحف الغربية على لسان محللين مطلعين أو غير ذلك في شؤوننا هو حقيقة لا يتوجب نكرانها، حتى لو كانت افتراضاً محضاً! بل إن هناك أناساً يلتقطون ما يكتب في الصحف الإنجليزية أو الأمريكية على أنه عنوان الحقيقة، وهو في الغالب اجتهاد تحليلي، فمن المسلمات أن عقل الشارع الخليجي، والبحريني بالذات، تسلم بأن كل ما يأتي من تلك الضفة هي حقيقة مطلقة لا يأتيها الشك من بين يديها ورجليها. وعلى سبيل المثل لا الحصر، هذه الأيام يكثر الحديث عن هبوط أسعار النفط إلى مستويات يرى البعض أنها مقلقة، ولكني أخالف هذه النظرة التشاؤمية وأعتبر أن ما يحدث مجرد عارض صحي مؤقت وغير مقلق نهائياً، ونتيجة طبيعية للأجواء الجيوسياسية غير المستقرة في منطقة الخليج، ومتى ما هدأت العوامل الجيوسياسية سيعود السوق إلى سابق عهده عند مئة دولار للبرميل، خصوصاً أن هذا المتوسط أثبت إلى الآن أنه مستوى مقبول بشكل عملي في السوق.طبعاً هذا التحليل ليس من اختراعي؛ بل مبني على قراءات وفق مؤشرات كانت تشير منذ مدة إلى حدوث ذلك في ظل معطيات السوق وتوقعات السوق لميزان الطلب والعرض، وأجزم أن الخبراء والمستشارين الأجانب في الحكومة والذين يتقاضون آلاف الدنانير يعلمون عن حدوث ذلك، ومن باب مسؤولياتهم نبهوا الحكومة إلى وقوع ذلك قبل مدة لأخذ احتياطاته، إلا إذا كان هؤلاء المستشارون والخبراء يلعبون، فهذا شئ آخر!!إذا لا داعي للقلق -حسب وجهة نظري- والأمر في حد ذاته لا يتطلب سوى التفكير، التدبير، وعدم التبذير!!علاوة على ما أسلفت؛ هناك عوامل عدة تجعلني متفائلاً أهمها أن انخفاض أسعار النفط ليس الأول من نوعه، فمنذ بدأت علاقة الإنسان الخليجي بالنفط وأسعار النفط تتأرجح وتمر بعدة محطات بدأت بـ 3 دولارات للبرميل في 1948 وانتهت بـ 90 دولاراً في عام 1990 قبل أن تستقر فوق 114 دولاراً في السنوات الخمس الأخيرة، وربما ما حدث في 2008 يعد خير عبرة ودرس، فقد كان متوسط أسعار النفط 92 دولاراً للبرميل في شهر يناير ثم ارتفع ليصل إلى 133 دولاراً للبرميل في شهر يوليو 2008، ثم هبط ليصل إلى 40 دولاراً للبرميل في شهر ديسمبر 2008، ثم تدرجت الأسعار في التعافي خلال عام 2009، علماً بأن سعر استخراج النفط في دول الخليج العربي يعد الأقل تكلفة في العالم، حيث تصل تكلفة استخراجه إلى 30 دولاراً.وخذ عنك معلومة أخرى فوق الحساب، دول الخليج استفادت وعلى مدى عشرات السنين من فروق الأسعار، ووفق إحصائيات صندوق النقد الدولي فقد ارتفعت عائدات دول مجلس التعاون الخليجي من 366 مليار دولار في العام 2009 إلى 729 مليار دولار في العام 2013، فجمعت هذه الدول احتياطيات مالية تقدر بـ 2.45 تريليون دولار، راكمتها خلال السنوات الأخيرة بفضل ارتفاع أسعار النفط، وهي تدير نحو 2.28 تريليون دولار عبر صناديقها السيادية، لذلك فهي قادرة على الصمود عدة سنوات قادمة في حال استمرار تراجع الأسعار.إذاً كلام المسؤولين بأن انخفاض أسعار النفط قد يضر بالميزانية العامة والتلميح بوقف علاوة غلاء المعيشة، كلام قشري سطحي لا ينتمي للواقع فـ»بلوه واشربوا ميته»، وإذا كان هناك من نوايا لإجراءات تقشف فيجب أن تطبق على اللي فوق وأنت نازل، هذه حقيقة أتمنى أن لا تتوه وسط صيحات القنوط في زحمة التصريحات.خذوا من الأغنياء واتركوا الفقراء في حالهم، فـ»الضرب في الميت حرام»!!