المفارقة هي أن دعوات رفع دعم المحروقات تعالت مع انخفاض أسعار النفط. المفروض هو أن دعم المحروقات يتقلص مع تراجع أسعار النفط وبالتالي فإن العبء المالي لدعم المحروقات يكون فى هذه الحالة أقل مما هو عليه فى حالة كون أسعار النفط في مستويات مرتفعة. وكما هو معروف، فإن الدعم يمثل الفارق بين تكلفة الإنتاج وسعر السوق وكلما كان هذا الفارق كبيراً كلما أصبح من الصعب تقبله ناهيك عن القدرة على تحمله. بالطبع فإن الدعم وصل إلى عبء مالي كبير خاصة عندما ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية. وبدون شك كانت هناك مبررات لخفض الدعم إلا أنه لم يكن هناك تحرك بالشكل المتوقع كما أننا لم نسمع كثيراً بالأصوات التى تعالت اليوم للدعوة إلى التخلص او خفض الدعم فى الوقت الذي أصبح حجم الدعم نتيجة لانخفاض أسعار النفط أقل بكثير مما كان عليه الحال فى السابق.لذلك لايبدو بأن الصيحات الحالية للتخلص من الدعم تستند إلى كون الدعم أصبح أكثر كلفة مع انخفاض أسعار النفط حيث العكس هو الصحيح، لكن حسبما يبدو فإن المناداة بخفض التخلص من الدعم جاءت من منظور البحث عن خفض النفقات لمواجهة انخفاض الإيرادات النفطية على الرغم من أن حجم الدعم الذى يمثل الفارق بين تكلفة إنتاج النفط وسعره فى السوق قد انخفض مع انخفاض أسعار النفط.كذلك فإن انخفاض أسعار النفط لا ينبغي أن ينعكس فى شكل رفع تكلفة الطاقة كثيراً عن تكاليفها الحقيقية أو رفعها بالضرورة إلى مستوى سعر السوق وبخاصة للصناعات الوطنية حيث إن كثيراً من المشاريع المحلية تقوم على المزايا النسبية لدول المنطقة والتى بدونها لم يكن لهذه المشاريع أن تقوم أصلاً. إن توفير الطاقة بأسعارتغطي تكاليف إنتاجها وإن كانت أقل من أسعار السوق لايعنى بالضرورة أن هناك دعماً وإعانات حيث إن مثل هذه الممارسة لاتتعارض أصلاً مع قوانين منظمة التجارة الدولية، ذا فضلاً عن أن الدول ومؤسساتها لها الحق في الاستفادة من مزاياها النسبية التى تمثل تكاليف إنتاج أقل مما هو سائد في مناطق أخرى من العالم.إن الدول الغربية التى تتهم الدول النامية بما فيها دول المنطقة بتقديم الدعم والإعانات هي في الواقع أكثر الدول التى تقدم الدعم لصناعاتها ومؤسساتها وقطاعاتها الاقتصادية. ولنتذكر دائماً أن مفاوضات التجارة العالمية كثيراً ما تعثرت بسبب الدعم والإعانات السخية التي تقدمها الدول الغربية لصناعاتها وقطاعاتها الزراعية الأمر الذي أدى إلى تشويه فى توظيف الموارد الاقتصادية وعدم عدالة في العلاقات التجارية الدولية.هذا يجرنا إلى الحديث عن منتجي البترول فى الدول الغربية والذين يحصلون على دعم وإعانات كبيرة جعل من صناعاتهم المكلفة التمكن من المنافسة مع صناعات المنطقة الأقل كلفة فى العالم والتي لا أستبعد أن يتم مطالبتها بالتضحية لصالح المنتجين الأكثر كلفة والأقل كفاءة في الدول الغربية.أخشى أن نضطر لمواجهة حرب أسعار ولا أستبعد فى هذا السياق أن نتهم بأننا نقدم الدعم والإعانات وذلك لإضعاف القدرة التنافسية لصناعاتنا وقطاعاتنا الإنتاجية. هذه في الواقع لعبة المنافسة الدولية وينبغي أن نكون على مستوى التحدى للدفاع عن مصالحنا وحقوقنا المشروعة. * الرئيس السابق لصندوق النقد العربي