مزاج الناس حكم اختياراتهم في المجلس القادم وقال لا للجمعيات السياسية الدينية ومنها جمعية الوفاق التي لولا الإرهاب والفتاوى الدينية لكانت سمعت رأي الشارع الحقيقي بها، وهي تلجأ للفتاوى حين تعلم أن الأمر انسحب منها مثلما فعلت عام 2010، وكذلك تفعل الجمعيات السياسية الدينية السنية فإنها تلجأ للفتاوى حين تعجز حجتها السياسية الصرفة في إقناع الناس، إنما في كل الأحوال جاء رد الشارع السني بعدم وصول الغالبية العظمى من مرشحي الجمعيات الدينية السياسية من الجولة الأولى أي عدم حصولهم على أغلبية الأصوات، وحتى لو نجحت أي من الجمعيتين في الجولة الثانية فإنها ستظل كتلاً ضئيلة داخل المجلس والغلبة للمستقلين، بل إن الجمعيتين لجأتا إلى دس من تدعي أنهم لا ينتمون لها كي تقلل من عوامل مقاومته وفي ذلك وحده إشارة إلى فقدانها القاعدة الشعبية، رغم أن العمل السياسي يحتاج إلى أحزاب «جمعيات» كي تتمكن الكتلة النيابية من تحقيق أهداف الحزب من خلال الكم العددي في المجلس حين يأتي وقت التصويت ووقت التحالفات، إلا أن مزاج الناس كان قد انقلب على أداء (الجمعيات) أكثر من انقلابهم على أداء (النائب) فمن نجح منهم لفصل تشريعي ثان نجح بعلاقته الاجتماعية في الدائرة أكثر من نجاحه كعضو الجمعية الفلانية.البحريني يحتاج اليوم أن تدار أموره السياسية خارج المسجد هذه هي الرسالة التي أوصلها الناخب البحريني وهذا وعي متقدم وناضج، الشعب البحريني شعب محافظ متدين مساجدنا ممتلئة والحمد لله واللهم زدهم هدى، ولكن اثني عشر عاماً ونحن نوكل إدارة شؤوننا السياسية إلى أئمة مساجدنا أو إلى من يرشحونه أو من يدعمونه وكان هذا هو حالنا، اثني عشر عاماً علمتنا دروساً ما كنا لنتعلمها لولا أن جربناها وخبرناها، إنه مثلما للفقه ناسه كذلك للسياسة ناسها واثني عشر عاماً علمتنا أنه ليس من رفع عقيرته وصرخ واحتج هو إنسان نظيف وإنسان لا يشترى وإنسان لا يوضع تحت (البشت) ليس هذا مضموناً، اثني عشر عاماً علمتنا أننا نحتاج إلى جمعيات سياسية تدار خارج المسجد وتكون مستقلة حقاً وفعلاً ورأياً جمعيات لا يصنعها فلان ولا تكون تابعة لعلان مؤمنة بالدستور البحريني إيماناً حقيقياً تمارس حقها في العمل السياسي باحتراف، و«احتراف» كلمة كبيرة وعميقة في العمل السياسي ولها أبعادها ونهجها ومدارسها وتراكم خبراتها، وهذا ما تفتقده البحرين مع الأسف، فخبرات سياسييها كأفراد وكتنظيمات جاءت من خلفية نضالات التحرير ونضالات إسقاط الأنظمة وأبقت عليها حتى بعد أن أصبحت شريكاً مع الأنظمة، أما الجمعيات الدينية الأخرى فجاءت من خلفية (طاعة ولي الأمر) وتلك خلفية لا تتسم مع العمل السياسي الاحترافي كقوى سياسية شريكة في صنع القرار وإدارة شؤون الدولة، لكن ذلك متوقع إذا نظرنا إلى عمر تجربتنا الديمقراطية، فأن يكتشف شعب البحرين هذا الواقع خلال اثني عشر عاماً فذلك يدل على أنه شعب واع وناضج ويتعلم بسرعة، أغلب الشعوب أخذت وقتاً أطول لتصل إلى تلك القناعات.