عندما يخلو ملتقى أو مؤتمر من الطرح الجاد وتقديم مادة رصينة في إطار أوراق العمل أو الأطروحات العلمية، نكون قد أهدرنا وقتنا بحضوره، وأهدر المنظمون جهودهم، فضلاً عن حرق أسماء الضيوف، خصوصاً اللامعة منها، لتقديمها في قالب تعس يقتصر على الدردشات وتبادل أطراف الحديث علانية على المنصة. كانت تلك نقطة الخلاف والانتقاد التي لطالما تبنيتها خلال السنوات الماضية إزاء واقع المؤتمرات في مملكة البحرين، والتي لخصتها في مقال تحت عنوان (استجمام في حماقات الثقافة)، ذلك الذي أثار حنق البعض وحساسية آخرين.. ومع احترامي لهذه الآراء أو تلك، وتقديري للشخوص.. لكنها الحقيقة.!!ويبدو أن مرارة الحقيقة أكبر من أن تُحلّى في مؤتمراتنا؛ فنلحظ إحدى الجهات المسؤولة عن مؤتمر ما، قد غيرت بعض مسارات إدارة المنتدى عموماً، وعملت على تقديم عرضها في قالب جديد، فيما ظل المحتوى أكثر فراغاً مما سبقه، والحال أكثر تردياً مما كان عليه، رغم أهمية العناوين المطروحة، وحجم التعويل على مخرجاته.. ومازلنا بانتظار القادم.. فلعل عمليات التجميل الهوجاء تطال -ولو بالصدفة- محتوى الطرح نحو الأفضل. المشكلة أحياناً لا تكمن في اختيار المتحدثين، بقدر ما هي كامنة في المفهوم المستحدث لواقع المؤتمرات وممارساته، والذي أصبح بحاجة لمراجعة طارئة، إذ فقد هذا «السوق» في البحرين جمهوره من الداخل والخارج، واقتصرت غايات حضوره على بصيص أمل في تلقي الأفضل، ونية معقودة للترفيه والتندر. إن الإدارة العامة للمؤتمر -باعتبارها فناً خاصاً لا يجيده كثيرون- هي المقود الحقيقي لسيرورة جلسات المؤتمر وإدارة محتواها حتى قبل انطلاقته، بل إن قبل الانطلاقة ومنذ بداية المخاطبات مع المتحدثين لا بد من الإشارة لنوع الطرح وآلياته ووجوب تقديم «ورقة عمل» أو ما شابهها، نأياً عن دردشات وفتاوى لا طائل لها امتدت لكل العلوم والتخصصات.في الأسبوع الفائت عقدت الجمعية البحرينية للتخطيط الاستراتيجي ملتقاها الخليجي الثالث تحت عنوان (من الخطة الإقليمية إلى الخطة الوطنية)، والذي شكّل نقطة فارقة نسبياً في مستوى الطرح وقيمة المواد العلمية، بل كان الفرق واضحاً حتى على مستوى بعض المتحدثين من ذوي الخبرات الواسعة والمؤهلات العلمية العالية من البحرين والخليج العربي، والذين قدموا مواد ذات أهمية في موضوع الملتقى والقضايا التي تلامسه. على جانب آخر كان من الجيد اختيار موضوع كهذا؛ والذي جمع الأشقاء الخليجيين -هذه المرة- في هم مشترك فعلي، إزاء قضايا تدور ضمن نطاق الاهتمام المشترك، والحديث عن كثير من المخاطر والتهديدات التي تلم بالمنطقة. مازلنا ننتظر الأفضل ممن قدّم الأفضل نسبياً.. نعم. وإنما هو دأب كل من أراد ببلده خيراً، وكل من أراد أن يقدم جديداً ويضيف على علوم الحياة وخبراتها المتراكمة.. إننا إذ نتحدث عن واقعنا الأليم في البحرين، لا نستهدف بذلك جهة أو ننقص من جهود منتسبيها؛ إنني أتطلع في كل مرة أحضر فيها مؤتمراً لأن أجد ما يمكن الإشادة به؛ علّنا نعمل سوية على تقديم الأفضل كل بطريقته، لكن من المخجل ألا أجد ما أشيد به سوى مستوى التنظيم الشكلي والأطعمة المقدمة في بعض الأحيان وما شابه ذلك، لأجد الحديث عن رتوش كهذه ستجعل مقالاً في منتهى الإسفاف، فضلاً عن إسفاف آخر تقدمه تلك المؤتمرات.إننا إذ نكرر النقد إنما كرر آخرون الخيبة في نفوسنا، إنما نرنو للارتقاء بالمستوى النوعي للمعرفة، لنكون منارة ووجهة لصناعة المؤتمرات، وللعمل على مواكبة القضايا والمستجدات، إنما نتطلع لأن يكون السؤال الخليجي الأول عندما يستشار الفضول العلمي لأمر ما، بل وقبل ذلك «ما رأي البحرين بهذا الشأن؟ ما الجديد الذي ستقدمه؟» ترى.. هل ما نطلبه فوق مستوى الممكن لدى منظمي المؤتمرات والملتقيات؟!! - انفجار النبض..بمناسبة الحديث عن الملتقى الخليجي الثالث للتخطيط الاستراتيجي، والحديث سلفاً عن الهم الخليجي الواحد والعدو الإيراني المشترك، أذكر نعتاً طريفاً لـ «منصور الجمري» في معرض الحديث عن إيران، وصفها فيه بـ «عدو محتمل» في إشارة واضحة لأيديولوجية مغايرة بين قوسين، ولهيام فكري وسياسي في وادٍ غير وديان العرب، وتعطش لأمر لم يقض، لم تروه مياه الخليج.!!
Opinion
الملتقى الخليجي الثالث للتخطيط الاستراتيجي.. نقطة فارقة
28 نوفمبر 2014