بعد انقطاع استمر لبعض الوقت؛ بدأ الملثمون يعودون باستعراضاتهم «العسكرية» إلى شوارع بعض القرى من خلال مواكب العزاء المخصصة للاحتفال بذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، الأمر الذي يثير الكثير من الأسئلة، ليس أولها أسباب وظروف العودة وليس آخرها مسؤولية المسؤولين عن تلك المآتم والمواكب الحسينية، فهناك أيضاً أسئلة ينبغي توفير إجابات لها كي لا يعتقد المواطن أن الأمور «فالتة» وأنه لا توجد قدرة على وضع حد للاستهتار بالأنظمة والقوانين، ولا يمكن وصفه إلا بالتطاول وبمحاولة تحدي الدولة. في عزاء الديه يوم الحادي عشر من محرم ثم بعد يومين في عزاء المالكية؛ تبين الصور التي انتشرت على نطاق واسع عبر مختلف وسائل الاتصال والتواصل أن مجموعات من المشاركين في العزاء ظهروا في صورة مخالفة لما يفترض أن يظهر فيها المعزون المشاركون في المواكب الحسينية، حيث عمدوا إلى ارتداء ملابس معينة «على طريقة استعراضات حزب الله اللبناني» ووضعوا على وجوههم أقنعة كي لا تعرف هوياتهم. هذه الاستعراضات لا علاقة لها بعزاء الحسين، وهي استغلال واضح له وتوظيف للسياسة في غير محله، فهذه الاستعراضات عبارة عن مظاهرات غير مرخص لها تم إقحامها عنوة في مسيرة مرخص لها مخصصة للاحتفال بذكرى سيد الشهداء، أي أن إدخال «فقرتها» بين فقرات الموكب الحسيني خطأ متعمد وحرف للعزاء عن مقاصده، وهو ما يعاقب عليه القانون. ترى أين كان المسؤولون عن تلك المواكب والمآتم؟ هل تم إدخال فقرة الملثمين واستعراضاتهم بموافقتهم أم غصباً عنهم؟ هل أبلغوا المعنيين بالأمن بهذا التدخل باعتبار أنهم المسؤولون عن كل ما يحدث في تلك المواكب؟ أيضاً لماذا لا نسمع أي تعليق من «قادة المعارضة» على هذا التطاول على عزاء سيد الشهداء؟ هل يخرج أولئك بإيعاز منهم أو بموافقتهم؟ وإذا كان جواب هذا السؤال نعم؛ فهل من العدل إقحام السياسة في العزاء؟ وهل من العدل تعريض حياة الملثمين للخطر؟ هذا النوع من الاستعراضات مثير للقلق، ذلك أن لجوء المشاركين فيه إلى تغطية وجوههم والسير بهذه الطريقة في مكان عام وفي حضور جمهور متنوع الفكر والوظيفة يعني أن العملية تخضع لتدريب على يد متخصصين من ذوي الخبرة، ويعني أن هناك تنظيماً يباشر عملاً سرياً، وإلا لما حرص على تغطية وجوه عناصره، ويعني أيضاً أن هناك مكاناً مخصصاً للتدريب و«البروفة»، فليس من المعقول أنه قيل لهم قبل خروج الموكب افعلوا كذا ففعلوا، ويعني أيضاً أن المشاركين في الاستعراضات لديهم الطرق التي تعينهم على الهرب في حالة حدوث فوضى أو في حالة تدخل الأمن للقبض عليهم. بالتأكيد هناك من يؤيد هذه الاستعراضات ويفرح بها، فهؤلاء يعتقدون أن في الأمر شطارة تستدعي الثناء على المشاركين فيها والإعجاب بهم، وأنه يكفي أن الأمن لن يتمكن من معرفة الوجوه التي تغطيها الأقنعة، لكن هؤلاء وغيرهم من المواطنين المنتمين إلى الفئة الصامتة لا ينظرون إلى البعيد، فهذه الاستعراضات تعني وجود ميليشيات، ووجود الميليشيات يعني وجود خطط وتكتيكات وربما أسلحة، ويعني أن المتحمسين للملثمين اليوم سيكونون من بين المتضررين أو أول المتضررين غداً. هذه المظاهر العسكرية ليست في صالح البلاد ولا في صالح الناس في القرى، وبالتالي فإن من المهم وضع حد لها ومنعها كي نوفر على بلادنا نتائج نرى اليوم دولاً أخرى تعيشها بسبب صمتها وتخاذل البعض من أبنائها أو تشجيعهم لعناصر أيدوها في لحظة معينة لسبب أو لآخر.