مشاهد بشعة، ومشاعر أكثر حزناً وغضباً تسود اليوم في الشرق الأوسط، وليست ببعيدة عن تلك السائدة بين الرأي العام الدولي. وبين هذه المشاهد والمشاعر تزداد الحيرة والأسئلة؛ من المسؤول عن هذا التطرف؟ ومن المسؤول عن هذه الفوضى المستقرة؟ هل نحن أم الغرب أم قوى إقليمية أو جماعات متطرفة؟ ومن المسؤول عن غياب قبول الآخر واحترام الآراء؟ وهل محاربة التطرف ومواجهة البشاعة التي تتم باسم الدين تستوجب السكوت أكثر أو المبادرة والمواجهة بشكل أوسع؟أسئلة وأسئلة كثيرة لن تنتهي، ومن الصعوبة بمكان أن نجد لها إجابات وقتية إلا بعد وقت طويل، وقد لا نجد لها إجابات إلا بعد عشرات السنين من الآن. ولكن الانخراط في البحث عن إجابات ليس مجدياً حالياً في ظل تفشي التطرف بمختلف أشكاله وألوانه، سواءً كان إرهاباً مرتبط بأيديولوجيا دينية أم مذهبية أو إثنو طائفية أو حتى أيديولوجيا مرتبطة بمجموعة من المصالح السياسية. انشغلنا كثيراً في البحث عن الأسباب والعوامل المؤدية لهذا الوضع، ولكننا لم ننشغل بعد بكيفية تجاوز الفوضى المستقرة التي تحيط بنا من كل حدب وصوب. بل صار الهم الأساسي هو التلذذ بما يمكن أن نسميه مؤامرة باعتبارها إطاراً نظرياً يساعدنا على فهم ما يجري في الشرق الأوسط، فكل ما يحدث هو مؤامرة، ولا يمكن تفسيرها غير ذلك. ولم نبحث بعد كيف نتجاوز هذه الفوضى. منظرون وباحثون وسياسيون في الغرب انشغلوا حتى وضعوا أسس الفوضى الخلاقة، ولكنهم لم يتوقعوا أن يكون نتاجها بهذا المستوى من التطرف، وليس لديهم أيضاً أي تصور لكيفية إنهاء هذه الفوضى المستقرة التي لا يبدو أنها ستتوقف إلا بعد عقود. ونذكر ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس عندما سألت عن كيفية إيقاف الفوضى الخلاقة التي ساهمت في التنظير لها بأنها لا تعرف!تشخيص الإرهاب والتطرف معروف، وتوصيفه ومعرفة الاتجاهات العامة له أيضاً معروفة، ولكن غير المعروف ما هي تصورات دول المنطقة وحكوماتها وكذلك سياسيوها والباحثون فيها لإنهاء حالة الفوضى المستقرة التي كان البعض يعتقد أنها ستأتي لنا بواحات ديمقراطية غنّاء فجلبت لنا جحيماً باسم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية. كفانا انشغالاً بتفسير أسباب الإرهاب والتطرف وعوامله، وحان الوقت للانشغال أكثر بكيفية إنهاء هذه الحالة المعقدة للغاية. فضحايا السنوات الأخيرة يكفون ولسنا بحاجة لانتظار عدد ضحايا أكثر من ضحايا الحرب العالمية الثانية!