أصبح علم «تحليل الخطاب» من أكثر العلوم البلاغية أهمية؛ إذ كثيراً ما تسخر آلياته لفك خطابات الحركات السياسية والزعماء السياسيين. وغالباً ما يقدم نتائج فعالة تستفيد منها مراكز الأبحاث وصنع القرار في الدول المتقدمة. وتقوم آليات علم تحليل الخطاب في أبسط صورها على دراسة البنية اللغوية للخطاب والعلاقات اللغوية الدالة فيه، ثم ربط البنية اللغوية بإحالاتها ومرجعياتها الخارجية الاجتماعية والسياسية والنفسية، ووضع كل ذلك في السياق التاريخي الذي صدر فيه الخطاب وفي الظرف الاجتماعي الذي أسهم في إنتاجه.وفي الأسابيع القليلة الماضية تناقلت شبكات التواصل الاجتماعية «زلتي لسان» خطيرتين للشيخ علي سلمان، وبتحليل خطابهما يتكشف لنا خلفيات المشروع السياسي الذي يبني عليه الأمين العام لجمعية الوفاق برنامجه وحراكه السياسي.الزلة الأولى التي نقلها حساب جمعية الوفاق والحسابات «الرادود» لها، تتعلق بموقف الشيخ علي سلمان من الوافدين والمجنسين، حيث قال «إن صدام حسين قد أعاد المصريين إلى مصر في توابيت، وهذا الخيار غير مطروح عند المعارضة البحرينية!!». وهذه الجملة تكشف مواقف الشيخ علي سلمان من عدة قضايا حقوقية وعروبية. فمن جهة؛ فإنه من غير الوارد أصلاً أن يتعرض (زعيم سياسي) لمسألة حياة المقيمين أو المجنسين وأمنهم في أي بلد متحضر في العالم، ولكن في ظل الظروف الأمنية الحساسة في البحرين وفي ظل تصعيد حالة الكراهية ضد غير البحرينيين في الشارع البحريني يصبح طرح الفكرة شكلاً من أشكال التصعيد الممنهج لبث الكراهية، ويصبح التطمين والتأمين صورة من صور التهديد المبطن.ومن جهة أخرى، فإن الاستدعاء الغريب لشخص الرئيس العراقي السابق صدام حسين وقصة التوابيت المصرية ينم عن الموقف الأيديولوجي والمذهبي للشيخ علي سلمان، فقصة عودة المصريين من العراق في توابيت كانت قصة عابرة في مصر في بداية التسعينيات لم يثبت من ورائها أي ظاهرة ولم تتحول إلى قضية تتابع في المحاكم أو عبر الأروقة الدبلوماسية. كما إن المصريين من أكثر الشعوب العربية حباً للعراق ولشخص الرئيس السابق صدام حسين؛ فنحن وإن نختلف مع احتلال صدام حسين للكويت الذي أدى إلى نتائج كارثية مازلنا ندفع ثمنها، وإن اختلفنا مع الدكتاتورية المعلنة من قبله؛ فنحن لا نستطيع أن ننكر أن صدام حسين قد تحول في المخيال العربي إلى «أيقونة» مواجهة؛ وقف أمام تصدير الثورة الإيرانية، وواجه التحدي الأمريكي بكل جبروته، ووقف شامخاً كالطود أمام حبل المشنقة ولم ترعه حفلة الزار «المجوسية» التي أقامتها شلة الإعدام الإيرانية له صباح عيد الأضحى.كان على الشيخ علي سلمان في هذا المحفل أن يتذكر أنه وإن كان يخاطب أنصاره ومريديه، إلا أنه يستدعي «ثيمات» عربية لن تصفق وتهتف بحياته، بل ستبحث عن موقعها من هذه الجملة المروعة. وكان على الشيخ علي سلمان وغيره من قادة الحراك المعارض أن يعوا أن المقيمين والمجنسين هم سفراء بلدانهم في البحرين، وأنهم الأجهزة الإعلامية التي تعكس صورة ما يحدث في البحرين، لذلك تلقفت الصحف المصرية تغريدة «التوابيت» باعتبارها تهديداً صريحاً للمقيمين المصريين الذين أهينوا وضربوا من قبل عناصر 14 فبراير في أحداث 2011م، وقد سجلوا شهادات عن الانتهاكات الشخصية التي تعرضوا لها في لجنة الدكتور بسيوني لتقصي الحقائق. ولا أظن بعدها أن أرض مصر، أرض الثورة والحرية والعروبة، ستكون منبسطة وممهدة لاستقبال الشيخ علي سلمان وجماعته كي يخطبوا في المحافل المصرية عن الثورة والعدالة وحقوق الإنسان!!.الزلة الثانية هي زلة مركبة نتيجة ارتباك الشيخ علي سلمان في تصريحاته لقناة الميادين اللبنانية، التي ظهرت فيها تصريحات الشيخ علي سلمان متناقضة ما بين خطاباته لجماعته ومريديه التي يتهجم فيها على وجود قواعد أمريكية في البلدان العربية ويعتبرها نوعاً من الاحتلال، وبين خطابه لحلفائه الأمريكان التي صرح فيها أن وجود القاعدة الأمريكية في البحرين ضرورة!!. ويرتبط بهذا التصريح «المتناقض» ثناؤه على شخص رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وعلى الاتجاه السياسي الذي انحرف إليه العراق في عهده. ولا يخلو هذا الثناء من موقف أيديولوجي مذهبي كذلك، فالمالكي هو وكيل إيران في العراق والضغوط العراقية والدولية التي أجبرت المالكي على التنحي كانت بعد أن استنفد المالكي «كرته» في تهميش الطائفة السنية بأكملها وفي استشراء القتل والمذابح فيها وبعد أن وصل العراق في عهده إلى أقصى حالات التقوقع المذهبي والعرقي وانهيار شبه كامل للوحدة والتكامل الوطنيين. وتظل عقد مخاطبة الأنصار والمريدين الذين يصفقون ويهتفون ويؤممون على كل شاردة وواردة مسيطرة على الشيخ علي سلمان. فلا يمكن أن يقبل العرب خطاب الشيخ علي سلمان الذي يطل عليهم من خلال شاشة الميادين، بأن العراق يعيش حالة من الاستقلال تفوق حالة البلدان التي نالت استقلالها منذ خمسين عاماً، في الوقت الذي يشاهدون العراق يغرق يوماً بعد يوم في بحار الدم ويتفكك إلى طوائف وعرقيات تنال كل واحدة منها قسطها من الإبادة والتهجير. مازال العرب يا شيخ علي سلمان ومنهم بعض أتباعك يتذكر العراق العظيم الذي خرج الكثير من طلبة البحرين الجامعيين من الخمسينات حتى التسعينات، مازال العرب يتذكرون أن العراق وصل إلى نسبة صفر% في الأمية وأن العراق كان يمتلك جيشاً قوياً وجامعات عريقة معامل نووية ودراسات إنسانية سابقة وريادة في الفن والعلم والحضارة. فكيف يسبقهم اليوم وقد صار رسمياً دولة فاشلة والدولة الأولى في العالم في مؤشرات الفساد وانعدام الأمن؟! إن موقف الشيخ علي سلمان من أمريكا ومن وكيل إيران في العراق نوري المالكي يعيدنا إلى موقفه من صدام حسين ومن التوابيت المصرية. فالشيخ علي سلمان يبدو منحازاً لما هو إيراني ومتناقضاً في العلاقة مع الأمريكان في السر والعلن، ومعادياً لما هو عروبي. لم يقلها صراحة، ولكن تفكيك خطاباته وكشف مرجعياتها يقدم لنا بعض ملامح مشروع الشيخ علي سلمان السياسي والحركي.