بعض من اعتبر نفسه فاعلاً سياسياً انتقد رسائل الولاء والتأييد التي رفعتها القبائل والعائلات البحرينية والأفراد إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وأكدوا من خلالها اعتزازهم بجلالته وبالأسرة الحاكمة وتصميمهم على الذود عن الوطن ومصالحه وعلى السمع والطاعة، حيث وصف ذلك البعض هذا النوع من التعبير بأوصاف بعيدة عن مفهوم الولاء والبيعة، مؤكداً بذلك أنه دون القدرة على فهم واستيعاب المجتمع العربي الخليجي الذي لا يكتفي أحياناً بمثل هذا التعبير، ولكن يتوجه أفراده في بعض الحالات إلى قصر الحاكم ليؤكدوا له أنهم ملتزمون على ما عاهدوه عليه ومخلصون. ذلك البعض لم يكتف بهذا؛ ولكنه تجاوز إلى حد أن اعتبر أن أسماء بعض العائلات والأفراد التي تنشر قد تم تلفيقها، دون أن يكلف نفسه عناء الاتصال بالشركات المعنية بترتيب إرسال تلك الرسائل لتقول له إن عدد طالبي إرسال برقيات الولاء والبيعة يفوق طاقتها، وأنها تخبر كل من يتواصل معها بأن رسالته قد يتأخر إرسالها بسبب ضغط الطلبات وقلة الوقت والحيلة. ما يحدث هذه الأيام فيما يخص رفع رسائل الولاء والتأييد للحاكم هو «سلك» العرب وواحد من طرق التعبير عن المحبة والإخلاص للوطن وللعائلة الحاكمة، وليس في هذا ما يعيب، فلا هو استجداء من الراعي للرعية وليس استجداء من الرعية للراعي، وإنما هو طريقة تعبير حضارية يؤكد المواطنون من خلالها شرعية الحكم واستقراره ويجددون البيعة، وهي طريقة عرفتها المجتمعات العربية والإسلامية. اللافت في هذا البعض والأبعاض التي يعبر عنها هو أنه يردد دائماً قصة أن الشرعية تؤكدها صناديق الاقتراع وحدها، من دون أن ينتبه إلى أن هذا الكلام مردود عليه، فإضافة إلى أن صناديق الاقتراع لا تستطيع أن تترجم معاني الحب والولاء والصدق دائماً فإن هناك جهات يعرفها ذلك البعض ويهمه أمرها لا تعترف بصناديق الاقتراع فيما يخص بلوغ المراتب العليا ومركز اتخاذ القرار، وفي هذا تناقض ينبغي الالتفات إليه. ما يحدث في البحرين هذه الأيام هو عبارة عن تجديد للبيعة يفرضها ظرف طارئ يحتاج فيها الشعب إلى أن يؤكد ولاءه وبيعته للملك، فالشعب هنا يريد أن يقول للملك إنه باق على العهد والوفاء وإنه مستمر في قبول ولايته وإنه معه دائماً وتلزمه طاعته إلا أن أمر في غير معروف، فلا طاعة في معصية. في «سلك» العرب يصير من واجبات الملك فور مبايعته حماية الدين من الضياع والتسيب وحمايته ممن يريد أن يعتدي عليه أو يحرفه أو يمس الدستور. التعبير عن الولاء هنا صورة من صور التلاحم بين العرش والشعب وهو «ظاهرة حضارية تجسد أسمى معاني التكامل والتناغم والحب والتناصر بين الحاكم والمحكوم». والبيعة «آلية للاستقرار والأمن ورمز وهوية وحدة النظام» وهي «عنصر إجماع وطني وعلاقة سيكولوجية نفسية واجتماعية وثقافية متبادلة بين الملك والشعب يسودها الصدق والثقة والأمان والتوافق على الثوابت الوطنية». هكذا يعرف المختصون أمر البيعة وصور التعبير عن الولاء والبقاء على العهد. أما لغة فالبيعة حسب ابن الأثير «عبارة عن المعاقدة والمعاهدة، كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره»، فالبيعة هي العهد على الطاعة، وهي «اختيار أهل الحل والعقد رجلاً ليتولى أمر الأمة لجلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار عنها، وقمع الفتن وإقامة الحدود ونشر العدل بينهم وردع الظالم ونصر المظلوم».رسائل الولاء والتأييد والتعبير عن حب الشعب لمليكه مظهر حضاري يعرفه المحبون لهذا الوطن ويحرصون عليه وهو صورة من صور التلاحم بينهم وبين القائد.