عانت البحرين كثيراً منذ سبعينات القرن العشرين من إرهاب ولاية الفقيه، وهو الفكر المتطرف الذي صدرته لنا المؤسسة الدينية في طهران بعد ثورة الخميني في 1979. ومنذ تلك الفترة تمكنت جماعة ولاية الفقيه من تكوين شبكة واسعة من خلاياها، وتغلغلت في مؤسسات الدولة، وشكلت مجموعة معقدة من مؤسسات المجتمع المدني، ووظفت المال الديني للأغراض السياسية إلى أن وصلت في ذروتها عندما كشفت عن أجندتها علناً في 2011 وطالبت بإسقاط النظام وإقامة ثيوقراطية بحرينية تابعة لطهران بعد أن أسست مؤسسة دينية خارج نطاق القانون تدير مشروع ولاية الفقيه في البحرين يرأسها ممثل خامنئي في المنامة عيسى قاسم. تنوعت استراتيجيات الدولة في مواجهة مشروع ولاية الفقيه بعد أن تطور وصار يعبث في أمن واستقرار الدولة البحرينية بالعنف والإرهاب. فالاستراتيجيات تباينت بين الهدوء والتصعيد والاحتواء والمشاركة واللاحسم، والاستراتيجية الأخيرة هي التي مازالت سائدة منذ فترة وحتى الآن، ومن الواضح أن نتائجها محدودة للغاية وغير فاعلة.التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط والخليج العربي كانت سريعة خلال تنفيذ استراتيجية اللاحسم داخلياً، فظهرت تنظيمات متطرفة أخرى، وأخطرها على الإطلاق تنظيم «داعش» الذي أعلن «الخلافة الإسلامية» في العراق، ويسعى لتنفيذ مشروع دولة متكامل يمتد من بغداد إلى دمشق مستغلاً الظروف والصراعات السياسية الدائرة. «داعش» التنظيم المتطرف المشبوه الذي يمارس أعمالاً إرهابية، ليس ببعيد عن البحرين وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، فبعدما بدأ بتجنيد المئات من شباب الخليج إن لم يكن أكثر، بات هذا التنظيم يبحث عن بيئة حاضنة يمكن من خلالها النمو والتغلغل، ومثل هذه البيئة لن تكون إلا في المجتمعات التي تشهد انقسامات حادة، وصراعات سياسية غير محسومة. هناك بحرينيون انخرطوا في تنظيم «داعش»، بعضهم رجع إلى صوابه، والسواد الأعظم منهم مازال يقاتل في صفوف هذا التنظيم المتطرف بعد أن تم التغرير به. وهناك مجموعات أخرى تنشط سراً لتجنيد المزيد من البحرينيين للانضمام إلى «داعش» تمهيداً للساعة المنتظرة.إذا تم هذا المسار، فإن البحرين أمام جماعة متطرفة سنية، وجماعة أخرى متطرفة شيعية، فأي إرهاب سيكون حينها؟باختصار هو مشهد يجسد حرباً أهلية محتملة بين السنة الراديكاليين، والشيعة الراديكاليين في البحرين، والخاسر الأكبر هي الدولة البحرينية بدون مجاملات. الأوضاع الداخلية، والظروف الإقليمية تتطلب حسماً سريعاً لحماية الدولة البحرينية من الإرهاب المتنامي سراً وعلناً، ولابد من اتخاذ الإجراءات الفاعلة لاجتثاث الإرهاب السني والشيعي من جذوره بتجفيف منابعه، وجماعاته، وتنظيماته، ومصادر تمويله، وخلاياه وكوادره. لا يمكــن التخـــاذل عن حمايــة الدولــة، ودستورها، وأمنها واستقرارها، ولسنا بحاجة إلى المزيد من القوانين والأنظمــة، بل تغيير الاستراتيجية وإنهاء حالة اللاحسم.