لن تتأخر الحكومة في بريطانيا عن اليوم الذي تتخذ فيه قراراً بتوسيع دائرة التضييق على مواطنيها والمقيمين هناك ومن هم تحت رعايتها ممن أعطتهم حق اللجوء السياسي، خصوصاً المسلمين ومزدوجي الجنسية، فهي لن تكتفي بمصادرة جوازات سفر من يشتبه بأنهم يعتزمون التوجه للقتال في سوريا والعراق، ولن يكون التشديد على إجراءات السفر جواً وفرض القيود على الحركة وإسقاط الجنسيات آخر القرارات، فالواضح هو أن الحكومة البريطانية وصلت إلى قناعة ملخصها أن الإرهاب الذي ظلت تبرر لأصحابه بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والقوانين التي أصدرتها لتنظيم هذا الأمر بدأت تعود عليها بـ»الرادي»، وأنها تحولت إلى هدف للمتطرفين الذين بدأوا التحرك لعض اليد التي امتدت لهم، وهذا هو تحديداً ما يؤلم بريطانيا اليوم ويجعلها تستنفر كل طاقاتها كي تحمي نفسها منهم كي لا تصير الضحية وتعض أنامل الندم بعد قليل.في ظل هذا الرعب الذي صارت تعيشه بريطانيا التي لم تتأخر قط عن احتضان كل من اختلف مع الحكم في بلاده، واعتبرته صاحب حق وأعطته حق اللجوء السياسي استناداً إلى ما اعتمدته من مبادئ وأفكار تؤمن بها وأحلام، فإن المتوقع من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الكثير، وليس مستبعداً وهي في حالتها هذه أن تخضع الملتحين الراغبين في الدخول إلى بريطانيا وخصوصاً المسلمين منهم لقياس اللحى، فإن زادت عن حد معين منع صاحبها من الدخول، تماماً مثلما فعلت أفغانستان أيام طالبان حيث -كما تناقل- كانت تمنع من لا تصل لحيته إلى حد معين من الدخول إلى الأراضي الأفغانية وتعتبره غير مؤهل لذلك!ولعلي لا أبالغ إن توقعت أن تشدد السفارات البريطانية على طالبي تأشيرات الدخول فتفرض الحصول على ما يؤكد أنهم «خوش أوادم» ولا خوف منهم! وهذا سيشمل الجميع بمن فيهم طالبي العلم من الدارسين في الجامعات البريطانية، ولعلي لا أبالغ أيضاً في توقع أن تطلب بريطانيا تعديل الاتفاقيات الأمنية بينها وبين بعض الدول ليصير لها الحق في ملاحقة واعتقال من تشتبه فيه وهو في بلاده!كل هذه توقعات، أما الأكيد فهو أن إقدام الحكومة البريطانية على تنفيذ مثل هذه الإجراءات سيدفع بقية الدول الأوروبية إلى اعتماد الإجراءات نفسها، فهي تعلم أن الإرهاب لا يفرق بين بريطانيا وهولندا وفرنسا وغيرها، وأن محاربته تستوجب تجميد كل الاتفاقيات والبروتوكولات والمبادئ والقيم وربما حتى الأخلاق. كثير من هذا الذي ذكرته هنا أتوقع أن يحدث قريباً، بل قد يحدث ما هو أكثر منه ويكشف عنه في المقبل من الأيام، أما العاقل فهو من يقرأ تطورات الأحداث بسرعة ودقة وذكاء فيحتاط لنفسه قبل أن تقع الفأس في الرأس. هذه الرسالة موجهة إلى من اتخذ بريطانيا ملجأً وظن أنه ناجٍ من كل شر وأنه صار في أمان، ذلك أنه في وضع مثل هذا لن تهتم بريطانيا أو غيرها بأي شيء سوى حماية نفسها من الإرهاب وتوفير الأمن والأمان لمواطنيها، وهو ما يعني أن الموجهة إليهم هذه الرسالة سيصيرون بعد قليل مادة للفحص من قبل المخابرات هناك، وقد يحاسبون حتى على تصريحاتهم وتغريداتهم. البحرين تتجه نحو التهدئة ونحو إغلاق مختلف الملفات العالقة لتعود كما كانت قبل ثلاث سنوات ونيف، والاستحقاق الانتخابي المقبل عليه فرصة لتصحيح كثير من الأمور ومراجعة النفس والعودة إلى جادة الصواب، فهل يقرأ من اختار بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية وأمريكا وغيرها ملجأً ومكاناً للإساءة إلى وطنه هذه الرسالة قراءة متأنية متعقلة ويفهمها جيداً، أم يواصل أحلامه فلا يستيقظ إلا على حلاقي بريطانيا وهم يجزون لحيته من دون أن يقيسوها؟!