السبت الماضي طغى على الرأي العام البحريني فرحة، إن لم تكن نشوة، بتزايد احتمالات فوز المستقلين في الانتخابات النيابية الحالية بعد انتهاء الجولة الأولى رغم أن نتائجها مازالت بعيدة بانتظار الجولة الثانية بعد 48 ساعة من الآن.فرحة سقوط الجمعيات السياسية لم تظهر إلا رغبة لدى الجماهير في التغيير، وفي إيجاد شخصيات مستقلة يعتقد أنها أكثر قدرة على التمثيل في المجلس النيابي والمجالس البلدية المختلفة بعد تجربة دامت 12 عاماً من سيطرة القوى السياسية على هذه المجالس التمثيلية. انتخابات 2014 كانت الأصعب بالنسبة للناخبين لأنهم واجهوا كماً كبيراً من المترشحين المستقلين منهم وغير المستقلين بانتماءاتهم السياسية للجمعيات. كما إنها كانت الأصعب بالنسبة للمترشحين لأنهم يتنافسون في دوائر انتخابية مختلفة أي تجربة ماضية، فهي دوائر جديدة من الصعب تحديد مناطقها، ومن الصعب تحديد مزاج الناخبين فيها، رغم أن الاحتياجات هي واحدة والتطلعات واحدة منذ 2002. في انتخابات 2014 تلاقت ثلاثة عوامل، وهي: رغبة الناخبين في التغيير، ودوائر انتخابية جديدة مع منافسة شرسة بين عدد كبير من المترشحين، جميع هذه العوامل ساهمت في تعقيد المشهد الانتخابي الذي لم يتوقع فيه سقوط الكثير من المترشحين البارزين، وكذلك بعض الجمعيات السياسية البارزة. وتأتي الجولة الثانية من الانتخابات النيابية والبلدية لتكون بمثابة جولة أولى مكررة، لأنه من النادر في الانتخابات البحرينية أن يبقى هذا العدد الهائل من المقاعد في المجلس النيابي والمجالس البلدية شاغراً بانتظار نتائج الجولة الثانية. السؤال هنا؛ هل يكفي سقوط مترشحي الجمعيات السياسية؟ أم هناك أهمية لدخول مختلف مكونات المجتمع في المجلس النيابي؟التركيز على إخفاقات الجمعيات السياسية ليس مهماً بحد ذاته كقضية، لأن القضية الأهم هي كيفية ضمان دخول مترشحين يمثلون جميع مكونات المجتمع، ويمثلون جماعات مصالح متنوعة، وعدم الاكتفاء بممثلي الجمعيات السياسية إن وصل منهم عدد محدود أو كبير خلال الجولة الثانية. نعود بالذاكرة قليلاً للعام 2011 عندما أنهت الأزمة المفتعلة من الجمعيات السياسية آنذاك (من الوفاق والجمعيات التابعة لها) الثقة المبنية بين مكونات المجتمع وتحديداً بين السنة والشيعة، وبذلك محاولات كثيرة منذ ذلك الوقت لإعادة بناء هذه الثقة رغم القناعة بأنها تستغرق عقوداً طويلة بناءً على التجربة الدامية التي شهدتها المملكة في خمسينات القرن العشرين وتطلبت نصف قرن لإعادة الثقة بين السنة والشيعة. نحن الآن في القرن الحادي والعشرين ومن المفترض أننا كمجتمع لا نحتاج لنصف قرن حتى تعود هذه الثقة من جديد لأن هناك وسائل كثيرة، وهناك مؤسسات قائمة بإمكانها المساهمة في هذه العملية والإسراع بها. وكان هناك جدل قبيل تعديل الدوائر الانتخابية الأخير والذي جاء بناءً على تفاهمات حوار التوافق الوطني (صيف 2011) بأن الدوائر القائمة لا تساعد على تعزيز العلاقات بين مكونات المجتمع، بل إنها تساهم في وضع عقبات تحول دون تطبيع العلاقات، وبمعنى آخر أنها تساعد على تحزب الشيعة مع المترشحين الشيعة، وتحزب السنة مع المترشحين السنة، ولا تساهم في خلط هذه المكونات لاختيار الأكفأ، وليس اختيار ابن الطائفة أو المكون. جاءت التعديلات الجديدة للدوائر الانتخابية لتنهي هذه الإشكالية تماماً، فكثير من الدوائر الحالية لا يمكن أن يفوز فيها مترشح إلا حظي بأصوات جميع المكونات، بمعنى أن هناك دوائر لا يمكن أن يترشح فيها سني ويفوز دون أن يحظى بتأييد كل من السنة والشيعة، وكذلك الحال بالنسبة للشيعة.هذه العملية مهمة للغاية من أجل استقرار النظام السياسي، والاستقرار الأمني، وتعزيز الأمن والسلم الأهلي، وحفظ الوحدة الوطنية، وتكريس فكرة التعايش السلمي. مثل هذه المعطيات تدفعنا لتجاوز فكرة التصويت لمترشح سني أو شيعي في انتخابات الجولة الثانية، لأن المطلوب في المترشح لا أن يكون سنياً أو شيعياً بل يكون ذا كفاءة مقبولة للمترشحين حتى يقوموا بانتخابه. وبالتالي تتحقق فكرة أن يكون المجلس النيابي المقبل أكثر تمثيلاً لجميع مكونات المجتمع، خاصة إذا علمنا أن هناك احتمالاً كبيراً بدخول كفاءات تختلف عن كفاءات الجمعيات السياسية في مجلس النواب سابقاً.