الإنسان السامي، الفاضل، الصحيح الروح والقلب والوجدان، المحب، المتسامح، المتواصل مع روح الكون، يحاول دائماً وقدر المستطاع أن يكون في موضع الرحمة، ولا يقبل أن يرى اصحابه يعيشون دون أن يمد لهم يد العون بصورة غير مباشرة، ويأنف أن يلتقي بهم في أسوأ أحوالهم النفسية، ويعمل على أن يراهم في أجمل الأحوال.من القصص الرائعة التي التقيت بها وأنا في بحثي عن المحبة الكونية والاجتماعية، قصة رائعة عملت عملها في الدمعة بعد الأخرى من عيني، تقول القصة: كان فيما مضى شاب ثري ثراءً عظيماً، وكان والده يعمل بتجارة الجواهر والياقوت وما شابه، وكان الشاب يغدق على أصدقائه أيما إغداق، وهم بدورهم يجلونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له.دارت الأيام دورتها ومات الوالد وافتقرت العائلة افتقاراً شديداً، فقلب الشاب أيام رخائه ليبحث عن أصدقاء الماضي، فعلم أن أعز صديق كان يكرمه ويغدق عليه وأكثرهم مودة وقرباً منه قد أثرى ثراء لا يوصف، وأصبح من أصحاب القصور والأملاك والضياع والأموال، فتوجه إليه عسى أن يجد عنده عملاً أو سبيلاً لإصلاح الحال، فلما وصل باب القصر استقبله الخدم والحشم، فذكر لهم صلته بصاحب الدار وما كان بينهما من مودة قديمة، فذهب الخدم فأخبروا صديقه بذلك، فنظر إليه ذلك الرجل من خلف ستار ليرى شخصاً رث الثياب عليه آثار الفقر، فلم يرض بلقائه وأخبر الخدم بأن يخبروه أن صاحب الدار لا يمكنه استقبال أحد.خرج الرجل والدهشة تأخذ منه مأخذها وهو يتألم على الصداقة كيف ماتت وعلى القيم كيف تذهب بصاحبها بعيداً عن الوفاء، وتساءل عن الضمير كيف يمكن أن يموت وكيف للمروءة أن لا تجد سبيلها في نفوس البعض.ومهما يكن من أمر فقد ذهب بعيداً وقريباً من دياره صادف ثلاثة من الرجال عليهم أثر الحيرة وكأنهم يبحثون عن شيء، فقال لهم ما أمر القوم، قالوا له نبحث عن رجل يدعى فلان ابن فلان، وذكروا اسم والده، فقال لهم إنه أبي وقد مات منذ زمن، فحوقل الرجال وتأسفوا وذكروا أباه بكل خير، وقالوا له إن أباك كان يتاجر بالجواهر وله عندنا قطع نفيسة من المرجان كان قد تركها عندنا أمانة، وأخرجوا كيساً كبيراً قد ملئ مرجانا فدفعوه إليه ورحلوا والدهشة تعلوه وهو لا يصدق ما يرى ويسمع ولكن.أين اليوم من يشتري المرجان؟ فإن عملية بيعه تحتاج إلى أثرياء والناس في بلدته ليس فيهم من يملك ثمن قطعة واحدة.مضى في طريقه وبعد برهة من الوقت صادف امرأة كبيرة في السن عليها آثار النعمة والخير، فقالت له يا بني أين أجد مجوهرات للبيع في بلدتكم، فتسمر الرجل في مكانه ليسألها عن أي نوع من المجوهرات تبحث، فقالت أي أحجار كريمة رائعة الشكل ومهما كان ثمنها، فسألها إن كان يعجبها المرجان، فقالت له نعم المطلب، فأخرج بضع قطع من الكيس فاندهشت المرأة لما رأت، فابتاعت منه قطعاً ووعدته بأن تعود لتشتري منه المزيد، وهكذا عادت الحال إلى يسر بعد عسر وعادت تجارته تنشط بشكل كبير، فتذكر بعد حين من الزمن ذلك الصديق الذي ما أدى حق الصداقة، فبعث له ببيتين من الشعر بيد صديق جاء فيهما:صحبت قوماً لئاماً لا وفاء لهميدعون بين الورى بالمكر والحيلكانوا يجلونني مذ كنت رب غنىوحين أفلست عدوني من الجهل فلما قرأ ذلك الصديق هذه الأبيات كتب على ورقة ثلاثة أبيات وبعث بها إليه جاء فيها:أما الثلاثة قد وافوك من قبليولم تكن سبباً إلا من الحيلأما من ابتاعت المرجان والدتيوأنت أنت أخي بل منتهى أمليوما طردناك من بخل ومن قلللكن عليك خشينا وقفة الخجل