من الواضح أن العلاقات السياسية الحساسة بين دول مجلس التعاون الخليجي تعود أساساً إلى عدم وجود سياسات موحدة ولا مؤسسات راسخة ومتفق عليها، ولا آليات عمل لاتخاذ القرارات وتنفيذها، فهذه كلها قد تكون موجودة بدرجات معينة لكن هذا الوجود لا يرتقي إلى مستوى الاتفاق والقناعة والالتزام.وحدها الاتفاقية الاقتصادية المشتركة التي وضعت فور تأسيس مجلس التعاون عام 1981 وجرى تعديلها أو إعادة صياغتها بعد حوالي 23 سنة من العمل بالاتفاقية الأصلية، هذه الاتفاقية كان يمكن أن تكون القاعدة التي يقوم عليها مجلس التعاون ويتقدم إلى الأمام، وتتقدم وتزدهر وتتكامل دوله في الكثير من المجالات الاقتصادية.لكن إنجازات الاتفاقية الاقتصادية التي أقرت في القمم الخليجية المتعاقبة على مدى الـ 33 عاماً الماضية وأجهضت أو تعثرت لدى اصطدامها بالعلاقات والمصالح السياسية وبالآليات التي تفرضها هذه العلاقات عند التنفيذ يتطلب من المسؤولين في المجلس أن يتحولوا في اتخاذ قراراتهم الاقتصادية وتنفيذها من الجهات والمؤسسات الحكومية إلى القطاع الخاص بصفته الأقدر على حمل ومعالجة الملفات الاقتصادية من ناحية، وعلى بناء علاقات مصالح تجارية واقتصادية أكثر رسوخاً وديمومة.إن دولنا الخليجية وشعوبها على وجه الخصوص في أشد الحاجة إلى إقرار المواطنة الخليجية الاقتصادية والتي تعتبر المواطن الخليجي يتساوى تماماً في كل الحقوق والواجبات مع المواطن في أي دولة خليجية، ونحن بحاجة إلى تفعيل التكامل الاقتصادي بين دولنا بدلاً من التنافس والتناحر الحاليين، ونحن بحاجة إلى إقرار السوق الخليجية المشتركة التي نصت عليها الاتفاقية الاقتصادية الأولى، ونحن بحاجة إلى اتحاد نقدي ومصرف مركزي وعملة واحدة مثل اليورو، وكلها لم تتحقق بسبب هيمنة السياسة وتضارب المصالح القطرية، وكلها يمكن أن تتحقق وتترسخ وتزدهر لو سلمت زمام الأمور إلى القطاع الخاص والمؤسسات الممثلة له لكي يقيم اتحاداته المختلفة وشركاته المساهمة وسوقه المالية الموحدة في منظومة تكاملية تتعامل مع العالم بلغة الاقتصاد والمصالح ومع الداخل ببناء مجلس تعاون قائم على المصالح الحقيقية والراسخة بين دوله.