في العديد من المظاهرات التي تم تنظيمها أخيراً لوحظ قيام البعض بإشعال النار في علم بريطانيا، بعضهم قال إنه تعبير عن الاحتجاج على مواقف بريطانيا الأخيرة من «المعارضة» وتخليها عنها وعدم اتخاذها موقفاً صلباً من توقيف أمين عام الوفاق، وبعضهم قال إنه تعبير عن الاحتجاج على الاتفاق الذي أفضى إلى منح بريطانيا قاعدة بحرية ضمن اتفاق أمني بين البلدين. في كل الأحوال هذا الأمر لا تستطيع «المعارضة» التي تتخذ من لندن مركزاً وموئلاً أن تقوم به في أي مدينة أو قرية في بريطانيا لأنها تعرف جيداً ما يمكن أن يحدث لها بسبب ذلك. بريطانيا التي كانت «خوش دولة» صارت مليئة بالعيوب وتستحق أن يحرق علمها في المظاهرات. الأمر نفسه سيحدث بعد قليل مع الولايات المتحدة، خصوصاً بعد تغريدة الخارجية الأمريكية إن «إيران مستمرة بتسليح وتدريب متشددين في البحرين، ولكننا ملتزمون بالعمل مع حلفائنا وشركائنا لمواجهة هذا السلوك المزعزع للاستقرار»، فطالما أنها قالت مثل هذا الكلام فهذا يعني أنها صارت تستحق المصير ذاته وتستحق شطبها من قائمة الدول التي تقف مع حقوق الإنسان (حسب بيان لإحدى الجمعيات السياسية محدودة العدد فإن الولايات المتحدة تدعم القمع والديكتاتورية بالبحرين، وشعارات حقوق الإنسان التي ترفعها هي للاستهلاك الإعلامي). زعل «المعارضة» من بريطانيا والولايات المتحدة جعل البعض يدعو إلى تنظيم اعتصام أمام سفارتيهما في المنامة، فهذا البعض ظل معتقداً أن هاتين الدولتين اللتين تربطهما بمملكة البحرين العديد من الاتفاقات سترميان كل هذا وراء ظهريهما وتشدا من عضد «المعارضة»، بل وتمكناها من الحكم! كل ردود الفعل هذه تكشف عن مستوى «المعارضة» وبعدها عن العمل السياسي، وإلا كيف يمكن لبريطانيا والولايات المتحدة أن تدوسا على توقيعاتهما وتتخطيا مصالحهما من أجل مجموعة لا تعرف ما تريد، وعملها يقوم على ردات الفعل ولا تمثل إلا شريحة من هذا المجتمع؟ ربما القوانين والأنظمة في بريطانيا والولايات المتحدة لا تسمح حالياً بطرد من لجأ إليهما واتخذ منهما منطلقاً لنشاطه السياسي طالما أن سلوكه هناك لا يشكل خطراً عليها ولا يضايقها، لكن هذا لا يعني أنها تقبل بمن لا يتردد عن إحراق أعلامها فتتخذ منه موقفاً ولعله يخسرها إلى الأبد، فالعلم رمز الدولة، وليس من دولة تقبل أن يحرق رمزها، خصوصاً وأن هذا السلوك غير حضاري ولا يكسب فاعله مفيداً. ليس بإحراق أعلام بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول يمكن تحقيق المكاسب، وليس بالإساءة إلى هاتين الدولتين وجرحهما يمكن إجبارهما على اتخاذ مواقف ضد الحكومة، وليس بالاعتصام أما سفارتيهما يمكن توصيل الرسائل المفيدة. الرسائل المفيدة والمكاسب تصل وتتحقق بالابتعاد عن أعمال المراهقين والنظر إلى الأمور بواقعية والدخول في حوار مباشر مع مختلف الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة، فبريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول لم تلد «المعارضة» وتنسها وهي ليست مسؤولة عنها ولا يمكن إلا أن تبحث عن مصالحها، وهذا حقها، فليس من أحد يمكنه محاسبتها على مواقفها أو تغيير مواقفها، وليس من الذوق إحراق أعلامها لأنها سعت إلى مصالحها ومصالح شعوبها.ما لم ينتبه إليه المتحمسون لحرق علم بريطانيا هو أن هذا العلم يتضمن شعارات دينية، مثله مثل علم السعودية وإيران، فهو مكون من صليب أحمر للقديس جورج (شفيع إنجلترا) محاط بإطار أبيض يشكل صليب القديس باتريك (شفيع أيرلندا الشمالية) إضافةً إلى صليب قطري بشكل إشارة (X) الذي يكون صليب القديس أندرو (شفيع اسكتلندا).شرعاً لا يجوز إحراق أعلام الدول التي تتضمن لفظ الجلالة، فكيف لبريطانيا أن تقبل بحرق علمها الذي يحمل رمزاً دينياً؟
Opinion
منع إحراق علم بريطانيا
12 يناير 2015