تعليقاً على مقالي المنشور هنا الأربعاء الماضي وعنوانه «السنع يا نبيل رجب»، والذي تناولت فيه المادة 33 من الدستور والمتعلقة بالذات المصونة لجلالة الملك، ورددت فيه على دعوة البعض، ومنهم نبيل رجب، إلى عدم استثناء أحد من النقد باعتبار أن ذلك يدخل في الحريات، تعليقاً على ما نشرت كتب نبيل رجب في حسابه على التويتر التغريدة التالية «عندما نقول إنه لا أحد فوق النقد والمحاسبة والمراقبة فإننا نقصد الجميع بمن فيهم نحن ورؤساء الجمعيات وعلماء الدين وكذلك الفاعلين في المجتمع»، وهي تغريدة كما تبدو جميلة أراد بن رجب من خلالها التأكيد على أن عدم الاستثناء يشمل علماء الدين، لأن نحن وأنتم وهم وهن ورؤساء الجمعيات والفاعلين في المجتمع كلهم يتعرضون للنقد في أي وقت، باستثناء علماء الدين، الذين يعتبرهم البعض خطاً أحمر ويعتبر من يغامر بانتقادهم متطاولاً على الدين.حقيقة، التغريدة أعجبتني، لكني أجزم أنه لا ترجمة لها على أرض الواقع في ما يخص انتقاد علماء الدين، فللعمامة في البحرين عموماً، ولدى هذه الفئة من المجتمع خصوصاً، قدسية تمنع انتقادها، لأن انتقادها يعتبر انتقاداً للدين وللمذهب، حتى وإن كان مرتديها ممن يشتغل سياسة وينشغل بها.هنا مثال؛ الشيخ عيسى قاسم حرف الحراك السلمي بدعوته الشهيرة سحق رجال الشرطة، والتي تم استغلالها استغلالاً بشعاً من قبل المولعين بأعمال الشغب والإرهاب ومحبي العنف، فهل يجرؤ نبيل رجب أو غيره على انتقاد الشيخ قاسم والرد عليه بالقول إنها دعوة أتاحت الفرصة لمحبي العنف إلى استخدام قنابل المولوتوف واعتبار رجال الأمن هدفاً في كل ساعة وكل حين؟ هل يجرؤ واحد منهم على قول ذلك وقول إنه كان ينبغي من الشيخ عيسى قاسم عندما تأكد أن البعض استغل دعوته في أعمال العنف أن يصححها ويدين مستخدمي قنابل المولوتوف؟للأسف لم يجرؤ أحد، وأجزم أنه لن يجرؤ أحد اليوم ولا غداً، لا نبيل رجب ولا غيره، على اتخاذ موقف من الشيخ عيسى قاسم لو لم يتراجع عن تلك الدعوة أو يصححها، لأنهم جميعاً يعتبرونه فوق النقد ويعتبرون كل عمامة فوق النقد، ويعتبرون كل من يحاول أن ينتقده أو ينتقد العمامة متطاولاً وقليل أدب وربما يستحق الرجم.ليجرب نبيل رجب انتقاد العمامة، ليتجرأ ويطالب الشيخ عيسى قاسم بتعديل دعوته أو فتواه، ليطالبه بتحريم استخدام قنابل المولوتوف، ثم لينظر ما سيحدث له. الأكيد أنه سيتعرض لهجوم لا يتوقعه ولن تشفع له مواقفه ولا السنتان اللتان قضاهما في السجن وسيقولون له ببساطة.. «استريح»، لم تعد تنفعنا.أنا أيضاً لا أقبل التطاول على علماء الدين لأن مجتمعنا البحريني لا يقبل بهذا، ولأن تربيتنا تمنعنا من القيام بهذا الأمر، ولكني أفرق بين التطاول والنقد، حيث النقد يختلف وهو في كل الأحوال لا يعدو مناقشة ويهدف إلى تصحيح أمر يراه الناقد معوجاً من وجهة نظره وقد يكون مخطئاً.القول إن علماء الدين فوق النقد والمحاسبة قول جميل، ولكنه بعيد عن الواقع، لأن من ينتقد أو يحاسب علماء الدين يعتبرونه خارجاً عن الأعراف ومتطاولاً ومتجاوزاً لحدوده وقد يعتبرونه خارج الملة.ليس فقط انتقاد أكبر عمامة غير مقبول عند «الجماعة» وإنما حتى أصغرها، فلابسها يعني أنه يمتلك حصانة تفوق الحصانة التي يمتلكها الدبلوماسي.انتقاد علماء الدين بشكل خاص لا يمكن أن يحدث بقرار أو بقانون، لأن هذا الأمر مرتبط بحراك اجتماعي لا يمكن تجاوزه ويحكمه الوقت، ومجتمعاتنا الخليجية تحتاج إلى وقت طويل لتتقبل انتقاد العمامة، فما بالك بانتقاد الأكبر منها؟