لا أزال أذكر إحدى الجلسات التي كانت تجمع جدتي بمجموعة من النسوة في بيتنا، وأعتقد أن الحوار حينها كان شيقاً بينهن ومثيراً؛ حيث الأغلبية مركزات بكل حذر على ما يدور من حديث ووقفات. ذلك الحوار الذي لم أفقه ولا أتذكر منه شيئاً سوى جملة كررتها جدتي في ختام حوارها، فلقد صدق المثل الذي يقول «من راقب الناس مات هماً».سمعت تلك الجملة و«صادني» الكثير من الخوف، وأنا أفكر وأحلل وأحاول أن أجد مبرراً؛ فكيف لعملية المراقبة أن تكون سبباً لأن يفقد المرء حياته! كيف يعقل ذلك! إلا أن الزمن ومروره كانا كفيلان بأن يفسرا لي ما المقصود من عبارة جدتي التي سمعتها في ذلك الزمان. لو تأملنا قليلاً ما يدور حولنا لرأينا الأغلبية في يومنا هذا يتفننون في عملية المراقبة، فبعد أن كانت المراقبة بانتظار خبر من جار عن جار آخر، أو بفتح باب أو الانتظار على نافذة أو شباك لعل وعسى يعرف ذلك «الحشري» أخباراً عما يريد تتبع أثره ويحاول أن يتقصى بعضاً من أخباره، إلا أن بعضاً من الناس والعياذ بالله تعتبر المراقبة شغلها الشاغل. و«المراقبة» كغيرها من الأمور الكثيرة التي كانت التكنولوجيا مساعدة في تطويرها وتحديثها الأمر الذي سهل على مؤيديها الكثير من البحث والتنقيب، حيث المعلومات أصبحت بين أيديهم وافرة والتحليل والاستنباط هو سيد الموقف.ولعل ما نعاني منه في وقتنا الحاضر هو «المراقبة التكنولوجية» والتي أصبحت منتشرة بين الكبار والصغار على حد سواء. فبرامج التواصل الاجتماعي ذات الصوت والصورة كفيلة بأن تخبر كل من حولك عما تقوم به، وإذا حاولت أن تبعد نفسك عن ضوضاء تناقل المعلومات والأخبار عبر وسائط الاتصال الحديثة؛ فقد يتم اتهامك بالعزلة والانطواء، وإذا وضعت صورتك وأنت واقف مع تمثال ما فلا تستغرب أن تكون فريسة أهل الاختصاص في تبريرك وتعليلك؛ أين ومتى وكيف تم هذا الاتفاق؟ وفي حال راق لك شطر بيت حزين أو كان يرمز للحب والعطاء أو يصف حالة ظلم وانكسار وأردت أن ترسله لمجموعة من الأصحاب أو كتبته في حالة ظهورك بالاتصال، فلم يعد من العجاب أن تستلم مجموعة رسائل من متقصي الأخبار عن حال نفسيتك إن كانت صافية أو يشوبها الضوضاء.هنا لابد من وقفة تأمل وإبصار، فأنا لست ممن يدعي أن كل ما يمكن أن يهدد حياتنا هو التكنولوجيا الصارخة التي اكتسحت كل ركائز حياتنا اليومية، إنما ومن وجهة نظري المتواضعة، فأنا أجد «الفراغ» هو سيد الحياة «الغوغاء». وليس المقصود من الفراغ أن يكون الإنسان خالياً من العمل؛ وإنما الفراغ الذي يداهم الفكر والقلب والإحساس لتسيطر مكانها برامج نحن بأيدينا جعلناها سيوفاً على أعناقنا تهدد حياتنا وحياة من حولنا. بالإضافة إلى ذلك لابد أن نتمتع بالحكمة عند النشر ونقل الأخبار كي نحفظ من حولنا من الزلات ونقي أنفسنا من الأحقاد، ولي فيما قاله الشاعر عمر الخيام بيت قصيد: صاحب من الناس كبار العقولواترك الجهال أهل الفضول واشرب نقيع السم من عاقلواسكب على الأرض دواء الجهول
Opinion
مين عم يراقب مين؟!
16 يناير 2015