إذا استمر الحراك الشعبي بذات الوتيرة التي يتعاطى فيها مع «برنامج الحكومة» فالبحرين مقدمة على حراك سياسي صحي وطني يخلق معارضة وطنية وهذا هو المطلوب.فبالإضافة إلى جلسات واجتماعات النواب مع الحكومة تحركت الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام المقروء والمرئي والمسموع والمجالس الشعبية، جميعهم يتحدثون اليوم عن البرنامج الحكومي عدا عن وسائل التواصل الاجتماعي الذي أبطأ من وتيرته.أما الحكومة فقد أدت أداء رائعاً بهذا التجاوب الإيجابي، فحضرت جلسات النواب بأريحية لم تصل إلى هذا الحد من قبل وتجاوبت مع ملاحظات وأسئلة النواب بقدر كبير، بل وظهر أكثر من وزير على شاشة التلفزيون يتحدثون عن البرنامج ويشرحونه، الحكومة لم تتحرك مثل هذا الحراك من قبل، والشعب لم يتحرك مثل هذا الحراك من قبل، هكذا يتم التلاحم والتنسيق والتعاون لخدمة المواطن. أن تتقبل الحكومة هذا الحراك رغم أنه يحمل الكثير من النقد والكثير من التحفظات والآراء التي تبدو قاسية وأن تتجاوب معه بهذه الأريحية فنحن نتحدث عن حقبة جديدة تتسم بنقلة نوعية في العلاقات الرسمية والشعبية، علاقات تدخل في صلب العمل المهني بعيداً عن المجاملات الاجتماعية ولا تخلط بينهما.إن استمر الاثنان الحراك الشعبي والحكومة على نفس المنوال فإننا نتحدث عن تخلق لمفهوم «المعارضة» الوطنية الصحيحة والسليمة، التي تعارض، تنتقد، ترفض، تتحفظ على الأداء الحكومي لكنها تقف معها على أرضية واحدة مشتركة، لا يمس هذا الموقف المعارض العلاقات الشخصية بين أعضاء الحكومة وبين أي من المعارضين، والأهم أنه بعيداً عن أي تدخل أجنبي أو طرف خارجي يساند أياً من الموقفين، هكذا تتخلق وتنشأ «المعارضة الوطنية».كما أن دخول أهل الاختصاص وذوي الخبرة على الخط في الحراك الشعبي رفع من نوعية الاعتراض وطبيعته، فالندوات التي عقدت حتى الآن انتدى فيها محللون واقتصاديون وخبراء ونزلوا للشارع وخاطبوا الناس، مما أدى إلى الارتقاء بنوعية النقاش والجدل الدائر حول برنامج الحكومة، وهذا ما كان الحراك الشعبي يفتقده سابقاً، حيث ساد الخطاب التجييشي والتعبوي الذي لا طائل منه سوى الفوضى والاصطدام مع رجال الأمن الذين لا ذنب لهم في البرنامج الحكومي «على سبيل المثال»!لو استمر الحراك الشعبي أي لو استمرت المؤسسات المدنية والمجالس الشعبية والجمعيات السياسية ووسائل الإعلام على ذات الوتيرة في الملفات التي سيناقشها النواب والشورى مستقبلاً كملف تقرير ديوان الرقابة المالية وملف الحساب الختامي وملف الميزانية وأي ملف مهم ومفصلي، لو استمروا بهذا الحراك وساهم أهل وذوو الاختصاص في النقاش والجدل واستمر الحضور بذات الزخم للفعاليات الشعبية فنحن أمام «سلطة رابعة» هي من سيطور أداء السلطتين «التنفيذية والتشريعية» معاً، لنعترف أنه حين نام الناس عملت السلطات بلا رقيب، إذ حتى السلطة الرقابية تحتاج من يراقب أداءها وليس هناك أحد غيرنا سيوقظها، ولنعترف أن ذلك كان سبباً في خلق «معارضة» غير وطنية معارضة استباحت الأرض والعرض وأدخلت أجندات لا علاقة لها بمصلحة الوطن، «معارضة» تنقلت بين كل عواصم العالم، فلم تبق لندن ولا موسكو إلى واشنطن إلا واستعانت بها للتدخل في شأن داخلي ولم تنجح في الاتصال الداخلي، واحتكرت موقع «المعارضة» وأقصت من عداها.اليوم اختلف الوضع وها نحن نرى حراكاً شعبياً سياسياً راقياً وطنياً يعارض الحكومة أقسى معارضة لكنه يقف معها حين يطال الأمر أمن وسلامة وطنه، لا نتمنى أن يكون هذا الحراك مجرد جذوة وتنطفئ، بل نتمنى أن يكون هو الشعلة التي تستمر وتتقد وتضع الأسس لمفهوم جديد يسلم الأجيال القادمة خطاً وطنياً معارضاً يسعى لرقي هذا البلد وازدهاره.