في الوقت الذي تفتش فيه بعض التيارات السياسية والدينية في العالم العربي عن وجبات شهية ودسمة من الشباب اليافع المتحمس للعطاء من أجل دفعهم بالمجان في معارك قاسية وفاشلة، هنالك في المقابل من يقوم بعمل جبار في سبيل توجيه هؤلاء الشباب نحو البناء وترسيخ مفاهيم وقيم إنسانية تعبر كل الحدود واللغات. وفي الوقت الذي تصدح فيه رايات الجهاد «الغلط» على طريقة استنزاف وتفريغ طاقاتنا الشبابية في الوطن العربي بالاتجاه القاتل، نجد أن هنالك نوراً ثاقباً تشعله بعض مؤسساتنا الثقافية لإضاءة العتمة، وهذا هو الفرق بين الموت والحياة، وبين الانتصار للإنسان وبين سلبه إنسانيته وتوهجه العظيم.هنالك بعض من أولياء الأمور الذين يدفعون بأبنائهم «بحسن نية» لدور العبادة من أجل الصلاح والصلاة، ثم يتفاجؤون بعد مدة قصيرة من الزمان أنهم أدخلوا أبناءهم للمكان الخطأ، حيث التحريض على الكراهية والموت والعدمية، وذلك بسبب رجل مملوء بالعقد النفسانية يدعي التدين، هو الذي يدير المسجد ويقوم بوظيفة «غسيل المخ» ومن ثم إرسالهم إلى الموت!!بينما لدينا، ولله الحمد، كثير من أولياء الأمور الذين يدفعون أبناءهم للعلم والمعرفة والمشاركة الفاعلة في صياغة الحياة والثقافة والفن والأدب والفرح، وهم تحديداً من ساهموا ودفعوا بأبنائهم للمشاركة الفاعلة في تاء الشباب، فنجحوا في صناعة جيل يشرف الوطن العربي وليس البحرين فقط.سيظل مؤسس فكرة التاء الرشيدة وهذا المشروع الجميل، الأستاذ الراحل محمد البنكي رحمة الله عليه، خالداً في ذاكرة الشباب والوطن، وسيظل صدى ما أسسه لهذا الجيل من قيم ثقافية باق يتردد صداه في الآفاق وفي كل محفل نستمتع فيه بالقراءة والفن والموسيقى والإبداع، بل نحن نحرض كل الآباء والأمهات على دفع صغارهم في مشروع تاء الشباب، كما نحرض المثقفين على أن يصنعوا مشاريع تعني بالإنسان وبالشباب تحديداً، كما فعل الراحل الكبير «أبو جاسم».أستذكر ذات مرة، وفي إحدى الاجتماعات التي جمعتني بالراحل محمد البنكي، حول الخروج ببعض الأفكار الإبداعية للشباب، أنه قال لنا «نحن نريد أفكاراً مجنونة، نريد هنا مجانين، لا نريد عقلاء، فالأفكار المجنونة الجريئة هي التي تصنع إبداعاً وتألقاً، هي التي تصنع الفكرة المختلفة، هي التي تصنع الإنسان المبدع». هذا الوعي الذي كان يسخر منه بعضنا في تلك المرحلة، حوله البنكي إلى مشروع يتردد صداه في كل عام، والذي لم يكن يتحقق لولا الدعم الكبير والمفتوح والمساندة المطلقة من وزيرة الثقافة، الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، له ولمشروعه، والتي ما زالت تصر على دعمه واستمراريته وتمدده عبر شباب التاء وتاء الشباب.قلناها من قبل، هنالك فرق بين صناعة الموت وصناعة الحياة، فالبنكي صنع الحياة ورحل في سكينة من أمره، فظل حياً بيننا، بينما هنالك من صنع الموت لغيره من شبابنا المأسوف على فقدانهم في معارك سياسية ودينية خاسرة، وهو مازال على قيد الحياة، ينعم في جنة الدنيا، وهذا هو الفرق بين البنكي وأعداء الفرح. شكراً جزيلاً أيها الراحل، صديقي الجميل العزيز محمد البنكي على مشروعك الشبابي المتميز، وشكراً راعية الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة على دعمك المستمر لهذا المشروع الخلاق، وشكراً لشباب التاء الذين نفتخر بهم دائماً وأبداً، وشكراً لرئيس اللجنة التنظيمية الدكتور إيلي فلوطي والذي يعتبر العنصر الفاعل في نجاح هذا المشروع، وشكراً لكل الأعضاء والمستشارين ورؤساء المبادرات والعاملين تحت مظلتهم الرائعة، وشكراً لكل الجنود المجهولين في هذا المشروع الذي شرف البحرين، ووضع اسمها على خارطة الثقافة العالمية، وشكراً جزيلا مرة أخرى أيها البنكي الراحل، فقد أسعدتنا كثيراً.