طلبت مني أن تحدثني في موضوع مهم إذا سمح لي وقتي وراق لي مزاجي، قلت في نفسي: كالعادة ستطلب مني أن تستلم جزءاً من مرتبها الشهري لتوفير بعض المستلزمات الضرورية لأبنائها، أو لربما تريد شراء مزيد من بطاقات الاتصال مدفوعة الأجر للاطمئنان على عائلتها. ولكن سرعان ما وسوس لي الشيطان بـ ماذا «لو» أنها كانت تنوي السفر قبل انتهاء عقدها معي، وماذا سأفعل حينها؟؟ هذه الوسوسة جعلتني أرمي كل ما في يدي وأطلب منها التحدث مباشرة، ابتسمت قبل أن تشرع ببدء حديثها معي، وسألتني «مدام، إنني أرغب في جلب أبنائي للعيش معي هنا في البحرين، أيمكنك أن تساعديني؟ وأكملت: لقد وقع عيني على خبر في إحدى الصحف المحلية التي أستخدمها أحيانا في التنظيف بأن «التعليم في مملكة البحرين مجاني للمواطنين والمقيمين من أي جنسية كانت». وواصلت حديثها: «مدام، لقد تركت بلدي وأبنائي وجئت للعمل كخادمة في منزلك من أجل أن أستطيع توفير المال اللازم من أجل تعليم أبنائي الصغار، حيث أن التعليم في بلدنا مكلف جداً، ولا يوجد لدينا تعليم مجاني. فكم سأكون ممنونة لك لو أنك استطعت مساعدتي في أن يحصل أبنائي على تعليم راق ومميز في بلد حضاري كبلدكم».. متعهدة لي بأنني إذا ما ساعدتها في جلب أبنائها للبحرين للإقامة معها فإنها لن تترك الخدمة في منزلنا إلا أن ينتهي أبناؤها من الدراسة.وبينما كانت «ليزا» وهي عاملة تنظيف في منزلنا تتحدث وتحاول جاهدة أن تقنعني بفكرتها ذهب عقلي لما هو أكبر من طرحها لرغبتها في أن تجلب أبنائها للبحرين من أجل أن يكونوا بقربها وتتمكن من رعايتهم بالإضافة إلى طلبها الرئيسي في أن يحصل أبناؤها على تعليم مجاني من مدارس البحرين الحكومية التي تقدم خدمة التعليم مجاناً للمواطنين والمقيمين على حد سواء. ذهب عقلي إلى أرقام خيالية تنفقها الدولة من أجل «التعليم» وإذا ما تحدثنا بلغة الأرقام فإن ميزانية التعليم لسنة 2012 – 2013 بلغت 330 مليون دينار حسب ما هو مصرح به من قبل المسؤولين، حيث تشكل ميزانية التعليم 27% من إجمالي ميزانية الدولة. بالطبع، أنا مع التعليم ومع تخصيص ميزانية ضخمة للتعليم فالدول لا تقوم إلا بأيدي المتعلمين، وإن أي دولة تسعى للنهوض يجب أن ينصب جل اهتمامها على العملية التعليمية وجودتها، وأنا مع حق كل إنسان في التعليم ولكن بضوابط!! فلم يكون التعليم للمقيمين مجاناً؟ ولم لا يتم فرض ضرائب على العملية التعليمية على «المقيمين» أسوة بباقي الدول؟ لست بخبيرة اقتصادية، ولست بمرشحة للمجلس النيابي القادم، وليست لي مصلحة في إثارة هذا الشأن سوى أنني مواطنة أخشى على ثروات وطني. يشكل عدد العمال الأجانب في مملكة البحرين أكثر من 51% من المجموع الكلي لسكان البحرين، وبنظرة بسيطة لموقع هيئة تنظيم سوق العمل يستطيع أي مهتم أن يتعرف على أعداد الملتحقين بالعمالة الأجنبية وأعمارهم وأجناسهم وهم عدد ليس بقليل، ففي تصريح سابق للمسؤولين في وزارة التربية والتعليم ذكروا أن جزءاً كبيراً من ميزانية التعليم يذهب لشراء الكتب وتوفير وسائل نقل الطلبة، فلم لا تفرض ضرائب مدروسة على المقيمين للحصول على هذه الخدمات؟ في كل مرة يطالب فيها أعضاء البرلمان بزيادة رواتب المواطنين، يصلنا الرد في أن الميزانية غير كافية، فلم لا تتخذ الدولة بعض التدابير لتقليص النفقات والحصول على مصادر جديدة للدخل. وبالطبع الحديث هنا ليس على التعليم فقط بل على باقي الخدمات المجانية التي تقدمها الدولة على طبق من ذهب للمقيمين. لا أنكر أبداً أن العمال الأجانب في مملكة البحرين هم شركاء أساسيين في نهضة البحرين، وبأن لهم دوراً مهماً وبارزاً ولكن هذا لا يعني أن يتمتع المقيم في مملكة البحرين برفاهية ومجانية لمعظم الخدمات. وأعتقد بأنه كما سبق وأن تم فرض مبلغ رمزي لمراجعة المستشفى على المقيمين من الأجانب وهو مبلغ «متواضع» لا يشكل نسبة من التكلفة الحقيقية لتلقي العلاج والدواء، يتم أيضاً فرض مبالغ «مدروسة» على التعليم الحكومي بمراحله المختلفة. بالطبع، حاولت أن أشرح «لليزا» الموقف ملخصة أنه ليس باستطاعتها أن تأتي بأبنائها إلى البحرين من أجل الحصول على التعليم، لأنهم لا يتقنون اللغة العربية مثلاً، فقالت لي» مدام، أبنائي صغار وسيتعلمون اللغة سريعاً، وألمحت إلى أن هناك العديد من البحرينيين اليوم لا يجيدون التحدث باللغة العربية».. وللحديث بقية