لعل من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي حدثت في طور ما يسمى بالربيع العربي، هو إيمان الأنظمة والكثير من الشعوب بالرهانات الأجنبية، واعتبارها المخلص الحقيقي ومفتاح الحل لكل الأزمات التي مرت بها تلك الدول والحكومات، فالتعويل على التغيرات الإقليمية والحلول الخارجية «ورط» الكثير من الدول العربية.لقد كشفت الأزمات العربية الأخيرة ضعف بعض الدول العربية في مواجهة الأخطار والكوارث، وبأن الخلل الجلي في تعاملها مع الأزمات السياسية، لأنها في الأساس لم تكن تملك الإمكانات والخبرات اللازمة التي تؤهلها للخروج من كافة الاحتمالات التي ربما تعصف بها على الصعيد السياسي والأمني وغيره، بل انكشف مدى ضعف الدول والشعوب العربية في مواجهة المخاطر والأزمات، وكذلك في طريقة تعاملها معها بصورة سلبية، لأن الجميع منهم كانوا يؤمنون أن حل الأزمات يأتي عبر حزمة من الحلول الدولية والإقليمية بصورة «بكج» يأتي كهدية من الأجنبي، ومن منطلق هذا الوعي السطحي في إدارة الأزمات، أهمل العرب كل الحلول الداخلية والمحلية التي لو حدثت على أرض الواقع، لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم.حدثت أزمات سياسية عنيفة غير متوقعة في فترة ما يسمى بالربيع العربي عصفت بالأخضر واليابس، ولأن العرب لم يكونوا مؤهلين لإدارة الأزمات بطريقة احترافية، انتظروا كثيراً من الوقت لعل رياح التغيير والحل تأتي من الخارج، لأنهم لم يكونوا يؤمنون بالداخل، فكانت النتائج كارثية بما تحمله الكلمة من معنى.دول وشعوب وأنظمة عربية وقوى سياسية من الموالين والمعارضين بطول وطننا العربي وعرضه آمنوا بالأجنبي كمخلص، ولم يعلموا أنه «المورط»، فراهنوا على قوته وأسلحته وعضلاتـــه وعتـــاده ومنظماتـــه وسفاراتــــه وسفرائه، حتى وجدوا أنفسهم خارج المعادلة المحلية والإقليمية والدولية، فلا استطاعوا حل أزماتهم السياسية من الداخل ولا استطاعوا أن يقبضوا على المخلص الحقيقي من الخارج.إن ما يعيشه العرب كل العرب حقيقة هو التيه العظيم، لأنهم آمنوا بالأجنبي وبالمستعمر أكثر مما آمنوا بقدراتهم وإمكاناتهم، ولأنهم انسحقوا أمام قوة الأجنبي وأمام تخبطاتهم وغياب استراتيجياتهم في لحظات عصيبة وحرجة، فأنتجوا فشلهم بطريقة مريعة إلى أن دقت ساعة الصفر التي يتحينها كل أعداء الوطن العربــي، ففرضــوا علــى الحكومــات والشعــوب إملاءاتهـــم وشروطهــم المجحفة؛ تارة بحجة الديمقراطية وأخـــرى بحجـــة حقــــوق الإنســــان والعدالة، والنتيجة دمار شامل وهدر للطاقات وسرقة للثروات، باختصار إنها «النكبة».هذا جزاء «سنمـار»، جــزاء مــن آمــن بالذئـــب والحرامي، وهذه هي النتيجة الحتمية لإيمان كل السياسيين العرب، ومعهم كل الشعوب العربية بالأجنبي، ذلك المخلوق الذي لا يؤمن بشيء سوى أن تتشكل دولنا وقضايانا ومصيرنا، حسب ما تقتضيه مصالحه ومنافعه، فالأيام القادمة لن تعطينا الجديد، فكل شيء بات واضحاً وضوح الشمس، فمصيرنا صار معلقاً بين يديه وربما تحت قدميه، فكل ما ننتظره منه اليوم هو أن يعطينا بعضاً من فتاته على شكل هبات ومساعدات وديمقراطيات ساقطة ومشوهة، إنه الفشل الأخير.