في زمن لم نعرف فيه مخاتلة استراتيجية «الفوضى الخلاقة» أو«الغموض البناء»؛ شنت 24 طائرة من نوع الشبح المقاتلة Stealth F-117A في 17 يناير 1991 أكثر العمليات الجوية تكاملاً في التاريخ، شنت الشبح الضربة الافتتاحية فأعمت عيون صدام وصمت آذانه، فمنعته الإعاقة عن الحركة بقية أيام الحرب، فانهار جيش الرافدين ومزق جنوده أوراق سفر انتصاراتهم الماضية في معارك «جزر مجنون» و«الفاو» ليستدفئوا بها في الصحراء الباردة. ففي مثل هذه الأيام، وبتفويض من مجلس الأمن الدولي، أغارت قوات التحالف على كل شبر من العراق من شماله إلى جنوبه، حيث انطلقت 1.820 طائرة خلال 43 يوماً لتنفذ حملة جوية شاركت فيها أمريكا بـ1376 طائرة، كما شاركت 175 طائرة سعودية و69 بريطانية و42 فرنسية و24 كندية و8 طائرات إيطالية، بالإضافة إلى دول مجلس التعاون. وقد نفذت طائرات التحالف 109.867 غارة جوية بمعدل 2.555 غارة يومياً، وألقت خلالها 60.624 طناً من القنابل في الحملة الجوية في عملية «عاصفة الصحراء» (Operation Desert Storm). أما في الحملة الجوية على داعــش «العزيمــة الصلبـة» «Operation Inherent Resolve» فبدأت حين أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن هذه العملية لحماية المواطنين الأمريكيين واليزيديين في أربيل، ثم جاءت الضربة الافتتاحية متواضعة وباهتة وبطائرات تقليدية؛ ففي 8 أغسطس قصفت طائرات F18 مستودع أسلحة تابعاً لتنظيم داعش، فيما ضربت أربع طائرات 8 مواقع لداعش قرب أربيل. وقد شارك في هذه الحملة الجوية، إضافة إلى الولايات المتحدة، سلاح الجو الفرنسي والأسترالي والبلجيكي والكندي الهولندي، وتشارك دول مجلس التعاون والأردن، كما تضم قائمة أعداء داعش في ميدان المعركة القوات المسلحة والشرطة وقوات الصحوة العراقية وقوات البشمركة والقوات المسلحة السورية وقوات شيعية مثل عصائب أهل الحق وجيش المهدي وكتائب حزب الله وفيلق بدر وسرايا السلام وحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، وحزب العمال الكردستاني والجيش الحر، ووحدات حماية الشعب الكردية «وحش» والجبهة الإسلامية، ثم يزين أسفل القائمة ختم تنظيم القاعدة كعدو رسمي لداعش رداً على وحشيتها أو ما قيل «الاستعصاء سيئ السمعة»، وقد نفذت طائرات التحالف حتى نهاية عام 2014 بناء على نشرة من البنتاغون 15 ألفاً و465 طلعة جوية، دون تحديد لعدد القتلى من داعش أو مدى تضرر الأهداف اعتماداً على استراتيجية «الغموض البناء».في عملية «عاصفة الصحراء» شكلت القوة الجوية العراقية في بداية الحملة الجوية خطراً على قوات التحالف بــ950 طائرة و9000 مدفعية مضادة للطائرات، كما أن العراق كان يشن غارات معاكسة استهدفت قواعد قوات التحالف في السعودية، كما استهدفت غاراته إسرائيل، فبقيت الحملة متصدرة للأخبار طوال 43 يوماً. أما «عملية العزيمة الصلبة» فلا تخضع إلا بصعوبة لتعريف إيجابي، حيث لم تثر أخبارها الاهتمام المناسب لدى الرأي العام؛ بل توارت أكثر من مرة خلف خبر سقوط الطائرة الماليزية ثم الهجوم على صحيفة «شارلي أبيدو». لقد كانت أخبار الحملة الجوية على داعش، ولاتزال، مختلطة مشوشة وغير مقنعة، بل وتتصدرها محاور لا دخل لها بالعمليات الحربية؛ كاستقالة وزير الدفاع الأمريكي «هيجل»والتي كانت أسبابها ودلالاتها داعشية.لقد مضى 23 عاماً بين الحملة الجوية «عاصفة الصحراء» والحملة الجوية على داعش «العزيمة الصلبة»، ومعها مضت أشياء أخرى في أسلوب عمل الإدارة الأمريكية، فلم تعد الخلافات تؤجل لما بعد الحرب، فاختلف أوباما مع كل وزير دفاع عمل تحت قيادته، فاستقال روبرت غيتس وليون بانيتا بالإضافة إلى هيجل، حيث تشير ملامح السلوك السياسي الأمريكي أن أوباما رجل يستمتع بتسريع التاريخ دون أن يكتب فيه سطر واحد يستحق البقاء.