قبل سنوات طويلة قتل أحد الشباب صديقه إثر خلاف وقع بينهما، القاتل والمقتول كانا من عوائل لها شأنها في المجتمع، بعد الحادث كانت هناك وساطات كبيرة ليقبل والد المقتول الدية ويعفو عن قاتل ولده، إلا أنه كان يرفض دوماً، وبعد ضغط شديد وافق وعفا عنه شرط أن يقف الشاب القاتل مدة شهر كامل في أحد التقاطعات الرئيسة من الصباح حتى المساء ويسأل الناس «يطر»، وسيراقب الأب يومياً تطبيق هذا الشرط.في البداية رفض أهل القاتل لمكانتهم الاجتماعية، لكنهم في النهاية رضخوا للشرط مع تمسك الوالد به، ووقف القاتل مدة شهر كامل في الشارع «يطر» ويسأل الناس الصدقة، وكانت المفاجأة بعد نهاية الشهر، الشاب رفض ترك «الطرارة» وبقي يدور في الشوارع يسأل الناس والأهل يتوسلون به العودة إلى البيت والرجوع لعمله وهو يرفض، والد المقتول كان يعلم أن هذا العمل مرض إن أصاب أحد لم يتركه بسهولة فأراد إذلال القاتل طوال حياته فاشترط ذلك الشرط ليعفو عنه.الشاهد أن «الطرارة» عمل فيه ذل وانكسار، وهي تحط من قيمة فاعلها والبيت الذي خرج منه، هذا إن كان فرداً لا يمثل إلا نفسه فكيف بمن ينتمي إلى مؤسسة أو دائرة ويرفع شعارها. لقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة عند الإشارات الضوئية في التقاطعات المرورية وفي أماكن عدة، وهي وجود عامل نظافة يرتدي الزي الخاص بعمله وينتظر الإشارة لتصبح حمراء فيبدأ عمله بجانب الرصيف بالقرب من نوافذ السيارات المتوقفة ليجمع أعقاب السجائر والورقات الصغيرة ويحرص على عدم ابتعاده عن السيارات في طريقة تستعطف الناس، ليبدأ بعد ذلك السائقين بإخراج شيء من المال وإعطائه ذلك العامل، بعد ذلك تسير السيارات ويرمي العامل ما جمعه على طول الرصيف ليعاود جمعه مرة أخرى، كل ذلك يحصل والعامل ليس في يده أدوات تنظيف أو كيس نفايات وفي أوقات مختلفة من النهار والليل، ويتنقل من جانب لآخر.بالتأكيد لست هنا لأقطع سبيل المعروف، فهؤلاء العمال من المساكين والناس فيهم خير كثير ويشعرون بمن حولهم، وثقافة التصدق متجذرة في المجتمع والحمد لله، لكن المكان غير مناسب ولأسباب كثيرة أهمها الخطر على حياة العامل، فربما ناداه أحد الأشخاص ليعطيه مئة أو مئتي فلس فينطلق باتجاهه بالتزامن مع انطلاق السيارات فيتعرض للدهس، أو كما يحصل يومياً يأخذ أحدهم فترة تأمل في ذلك العامل بعدها يقرر منحه شيئاً، فيبدأ رحلة البحث عن «الخردة» والإشارة تحولت إلى اللون الأخضر وتعرقلت حركة المرور، وعلى رأس كل ذلك المظهر والانطباع الذي تتركه هذه الظاهرة عند زوار البحرين وضيوفها.سواء كان هؤلاء العمال موظفون في البلدية أو في شركات تعاقدت البلدية معهم، فهم في النهاية ينجزون أعمالاً ضمن دائرة اختصاصها، ومع أنهم لا يسألون الناس بشكل مباشر إلا أن طريقة تصرفهم لا تليق بالبلدية بحال من الأحوال ولا بد من معالجة هذه الظاهرة.
Opinion
هل «الطرارة» جزء من عمل البلدية؟
17 يناير 2015