منذ صدور تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية في نسخته الحادية عشرة، يمكننا أن نرى بوضوح ضعف التفاعل معه؛ إذ بخلاف ما نشرته الصحف من أجزاء تضمنها التقرير بينت استمراراً للتجاوزات والهدر المالي، شهدنا ردود فعل ضعيفة من قبل النواب اقتصرت على التصريحات الإعلامية، في حين الإجراءات لم تأخذ لها حيزاً وذلك لانشغالهم بمناقشة برنامج عمل الحكومة.الشاهد فيما نقول إن العمل البرلماني الفعل المعني بتفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة والمساءلة وصولاً لطرح الثقة، إضافة إلى التقدم بمقترحات للقوانين والتشريعات، لن تأخذ حيزاً من العمل الآن، طالما أن الجهد كله منصب على مناقشة برنامج الحكومة.وهذا الأمر يدفعنا لطرح عدة تساؤلات أهمها ما يبنى على فرضية رفض البرنامج مثلاً، وهل سنضطر إلى انتظار شهور أخرى لوضع برنامج آخر وتقديمه، ومن ثم مهلة شهر أخرى لمناقشته، ما يعني أن الوصول لنقطة مناقشة الميزانية لعامي 2015-2016 سيتأخر أيضاً، ومعه سيتأخر الحراك البرلماني في ملفات أخرى؟!الإجابة المفترضة هنا بأنها «نعم»، التعطيل يؤدي إلى تأخير، والتأخير في إقرار الموازنة التي ستفعل عمل البرنامج، إضافة إلى التأخير في بدء العمل الفعلي للسلطة التشريعية الموجه للناس تلبية لمطالبهم وتحقيقاً لها، كل ذلك يعني انعكاسات سلبية على المواطن نفسه.لكن هذا لا يعني أن يتحول النواب إلى نقطة «ترانزيت» للبرنامج، بحيث يكون دورهم التمرير فقط دون ممارسة حقهم المكفول في التعديل الدستوري الأخير بحيث يحددون مصير البرنامج الحكومي المقترح.وسط ذلك نجد أن حراكاً نيابياً يمكن تصنيفه إلى شقين يدار اليوم بشأن البرنامج المطروح، الأول تتضح فيه بعض محاولات المبالغة والمزايدة والبطولة الإعلامية، بحيث يربط تمرير البرنامج بأمور أخرى يعتزم النواب طرحها، وهي محاولة ربط تشبه «الابتزاز»، وهي نفس الحركة التي رفضها النواب سابقاً وانتقدتها الصحافة أيضاً حين تم ربط عدم القدرة على زيادة الرواتب بالعجز الإكتواري، على سبيل المثال.الشق الثاني من التعاطي النيابي، هو الشق الذي نرى فيه مسؤولية وتعاملاً عقلانياً وعملياً مع البرنامج، وذلك من خلال الاجتماعات والمناقشات اليومية التي يعقدها فريق العمل المصغر النيابي للخلوص إلى تقديم المقترحات والمرئيات، ولعل طلب تمديد عملها لأسبوع آخر يكشف اهتماماً واضحاً لدراسة أعمق للبرنامج ووضع مقترحات تضمن عملية تضمينها البرنامج مواكبة تطلعات المواطن.لا نفشي سراً هنا، إذ حينما أعلن عن الآلية الجديدة للتعاطي النيابي مع برنامج الحكومة، وأن تقرير مصيره بيد نواب الشعب، كان لدينا قلق من تكرار نفس سيناريوهات التعامل النيابي مع بعض القضايا، بحيث نبتعد عن جوهر الموضوع، وننسى أهمية الوصول لتوافقات وتفاهمات، وتنحصر العملية في المزايدات والمماحكات الإعلامية وصيغ الوعيد والتهديد.أحياناً نقول في شأن بعض المواضيع، لربما ما تقترحه الحكومة أفضل وأنجع مما يقترحه النواب، والعكس صحيح أحياناً في بعض القضايا، إذ ربما يكون ما يقترحه النواب ذا مصلحة أكبر للمواطن الذين يمثلونه من المقترح الذي تتقدم به الحكومة. وهذا يحصل باعتبار أنه لا يوجد طرف يمتلك الصواب المطلق في العمل، لربما يوفق فريق في جانب ويخفق في جانب آخر، وعليه فإن تكاملية العمل بين السلطات مسألة مطلوبة وحتمية، وهو ما نريد له تطبيقاً عملياً لا الاكتفاء به كشعار يستخدم في التصريحات الإعلامية.بحسب ما صدر عن اللجنة النيابية المصغرة فإنها بصدد مخاطبة الحكومة بشأن التعديلات المقترحة، مع استمرار المشاورات مع ممثلي الحكومة للخروج بتوافقات فاعلة لبرنامج حكومي يتماشى وتطلعات المواطنين.هذا الخطاب مشجع إن أردنا الواقعية، فلا تحويل العملية إلى حرب ضروس بين معسكرين يفيد، وهو للأسف يستشف من بعض تصريحات لبعض النواب وكأن العملية «تكسير عظام» ومحاولة «استعراض» إعلامية لإقناع الناخبين بأنهم صوتوا للشخص المناسب، ولا تترك المسألة وكأنها ليست ذات أهمية للوقوف عندها وتمرير التقرير هكذا دون التوقف عنده بطريقة «خذوه فغلوه».وعليه فإن أفضل طريقة لإدارة هذا الملف ليست بإعلان الرفض والتعنت في التعامل منذ البداية إن كان المضمون قابلاً للتعديل والتطوير، ولا التمرير بدون بحث وتدقيق بمعنى الموافقة السريعة. التعديل مطلوب، وهنا نتطلع لدور النواب بوضع المواطن في الاعتبار فيما يطرحونه من تعديلات، وأن يضعوا في الحسبان مراعاة التوقيت والمدد الزمنية والتي ستؤثر على ملفات أخرى أيضاً مهمة، كالميزانية والتعامل الجدي مع تقرير ديوان الرقابة الذي نخشى أن يذهب للنسيان سريعاً بسبب الانشغال ببرنامج الحكومة.إدارة الأمور بعقلانية وحكمة تتجنب الانفعال هي التي تقودها لنهايات سليمة فيها أضرار أقل ومنافع أكبر، ولكم في إدارة ملف البحرين كبلد طوال ثلاثة أعوام أبلغ درس وعبرة.