مهما حاولتم مع إيران ومهما تهادنتم ومهما تقاربتم فستبقى هي إيران التي اختصر خطرها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله «ليت بيننا وبين فارس جبل من نار لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم». لكن هذه المقولة لم تثبت ولم تؤخذ ولم تدرس، بل فتحت لإيران الخطوط وسيرت لها الطائرات واللنجات، وتبادلت معها الزيارات حتى وصلت إلى زيارة قادة من دول الخليج لطهران، ودعوات أخرى نسمعها للتقارب بين طهران والرياض، وها نحن نقرأ الكلمات والخطابات، كلها كلمات أشواق حارة ومشاعر دافئة يتبطنها الحنين والرنين. لكن نقول لكم إنها إيران وستبقى إيران؛ إيران التي تذبح الشعب السوري أمام ناظركم وأنتم تطلبون صفاها ورضاها.. إيران التي تذبح شعب العراق وتهتك أعراضهم وتدك منازلهم وأنتم مازلتم على أمل لقائها وطلب وئامها، فلا ندري ما سر هذا الإصرار على التقارب؟ وما سر هذا الود الذي تكنونه لحكام إيران؟ إنه والله لشيء غريب عجيب من دول مسلمة ذاقت من إيران ما ذاقت، فلا دولة سلمت منها، فها هي تفجيراتها في الكويت وأشلاء أبنائها التي تطايرت على الأشجار وبين كراسي المقاهي، وها هي طائرة الجابرية ومازالت صورة عبدالله الخالدي وخالد أيوب التي قذف بهما من باب الطائرة أكوام، وها هي السعودية وما حصل فيها من تفجيرات واعتداءات على حدودها من الحوثيين ومن البطاط، أليست إيران وراءهم أم أن وراءهم جن سليمان، لكن كما قال الله تعالى فيكم (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ)، ولكن نقول لكم مهما فعلتم ومهما قدمتم فهي عدوكم، وها هو عبداللهيان يغرد في كل ساعة وزمان وحتى هذه اللحظة التي تعلن فيها عن زيارات مرتقبة بين إيران ودول الخليج، حيث يطالب عبداللهيان السعودية بسحب قواتها المتواجدة في البحرين، ويطالب البحرين بضرورة الاهتمام بمطالب المعارضة الشيعية الموالية له، إنها الغطرسة الإيرانية التي لن تنفك أن تستخدمها مع دول الخليج، وذلك عندما علمت بأنها لاتزال المحبوبة المرغوب في وصالها.عبداللهيان لا يتردد أن يعترف بلسانه بأنه قادر على حل ما يسميه أزمة البحرين قائلاً «الجمهورية الإيرانية الإسلامية الإيرانية من خلال نفوذها المعنوي في البحرين مستعدة لأي نوع من التعاون مع حكومة المنامة لحل الأزمة»، وهذا اعتراف أن ما حدث في البحرين تقف خلفه إيران، لأن النفوذ المعنوي هو الذي حرك الإرهابيين في البحرين، النفوذ المعنوي هو الذي طالب بإسقاط النظام، النفوذ المعنوي هو الذي يدير الحوار ويتابعه ويراقبه، وما هذا التوافق بين الدولة والوفاق إلا جزء من المؤامرة الإيرانية على دول الخليج، حيث تحاول أن تهدئ لعبتها في البحرين بخروج الوفاق بمكاسب تضمن نجاح جولتها القادمة، وفي الوقت نفسه عندما تتصالح الدولة مع الوفاق وتنظر دول الخليج أن الأمور قد هدأت في البحرين وعادت إلى ما كانت عليه بغض النظر عما يتمخض عنه هذا الاتفاق من مخاطر مستقبلية قد تكون نتيجته سقوط البحرين في يد إيران، ألا أن هذه الأمور لا تؤخذ ولا تدرس من قبل مجلس التعاون الخليجي الذي يرى أنه طالما الأمور صارت بخير في المنامة فلا مانع من عودة العلاقات مع إيران، وهذا ما تطمح إليه إيران في الوقت الحالي، وذلك لتعوض خسارتها في سوريا بزيادة نفوذها في دول الخليج من خلال الاتفاقات الاقتصادية وغيرها من حسن علاقة وفتح دول الخليج أبوابها لإيران في كل بقعة ومكان.ولا بد أن نذكر هنا تهديد عبداللهيان نفسه الذي قاله إنه سيستخدم نفوذه المعنوي لحل الأزمة في البحرين، وذلك عندما حذر حكومة البحرين من تداعيات ما أسماه «مداهمات قوات الأمن البحرينية لمنزل عيسى قاسم معتبراً أن نظام البحرين تجاوز الخطوط الحمراء ومطالباً إياه بالاعتذار، وإذا لم تعتذر من هذا الإجراء غير اللائق، فعليها أن تنتظر رداً غير متوقع»، هذا هي إيران التي ستظل دول الخليج تنتظر الرد غير اللائق عندما تتجاوز أي دولة حدودها مع رجل بعمامة يمثل نفوذها المعنوي، إنها المعادلة الصعبة التي يصعب فك أرقامها وتحليل نسبها حين تغيب الاستراتجية الخليجية وتستبدل بنظرية مؤقتة قانونها «الأمور طيبة».إن الجميع يعلم أن دخول الوفاق في الحوار المباشر مع الدولة والتوافقات على الصفقات قد حصلت على موافقة وإذن مسبق من إيران، وأن علي سلمان وغيره لن يشخطوا قلماً ولم يبصموا بأصبع قبل أن يأذن لهم عبداللهيان، لأن معنوياتهم مربوطة بيده يحركها مرة إلى الدوار ومرة إلى مجالس الحكم، وأن الدولة تعلم هذا تمام العلم، كما تعلم دول الخليج بخطر إيران، هذه إيران التي بنت مفاعلها النووي ليصب حميمة في بحركم، وأنتم مازلتم في لهفة وشوق لوصالها. فيا عجب من أمة لم تقرأ تاريخها ولم تأخذ برأي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله الذي تمنى أن يكون بينه وبين فارس جبل من نار.
Opinion
المعادلة الصعبة.. النفوذ المعنوي لإيران في البحرين
23 مايو 2014