في جلسة مناقشة إلكترونية مقتضبة؛ بادرني أخ عزيز من المملكة العربية السعودية وهو مدرب معتمد، بسؤال غريب؛ «هل التدريب ضرورة وحاجة أم ترف؟!»، ما يثير الدهشة أن السؤال صادر من أحد أكثر ممارسي التدريب واللامعين فيه، ولعلي بذلك أدركت حجم ما يصيب مفهوم التدريب من إحباطات وتهاون وحالة لا متناهية من المبالاة المتفشية في الخليج والوطن العربي.أجبته باندفاع «ضرورة وحاجة طبعاً»، لكن لطالما راجعت إجابتي تلك مراراً وتكراراً، فلطالما أنه بالطبع حاجة وضرورة لما لا نجد له من الأهمية في كثير من المؤسسات حكومية وخاصة ما لا يتجاوز استهداف خبر للنشر، لأي برنامج تدريبي بغض النظر عن معاييره وأهدافه وما يمكن أن يحققه من أهداف حقيقية تصب في رصيد معرفة وخبرات الفرد والمؤسسة في آن؟!في نظرة عاجلة فاحصة واستقصاء عشوائي لواقع التدريب في عدد من المؤسسات طبقته على بعض الزملاء والأصدقاء والمعارف، أدركت جيداً كم أن عملية التنمية الشاملة في مملكة البحرين في خطر، وكم إن المؤسسات استهلاكية في تعاملها مع منتسبيها لدرجة تجحف بحقوقهم الطبيعية في كثير من الأحيان وأهمها التدريب.ولكي لا يكون الإجحاف عدوى تنتقل بالإحباط، كان لابد من نظرة منصفة نلقي بها كذلك على بعض المؤسسات التي أولت التدريب أهمية بالغة في نشاطها، وجعلته ركيزتها الأساسية في تطوير كادرها الوظيفي وعملها المؤسسي على السواء. والشيء بالشيء يذكر.. فإن الوقوف على معضلة التدريب في الخليج العربي والبحرين بشكل خاص، تقودنا للبحث عن التجارب الناجحة أو المبادرات الغير مسبوقة في المجال.ولعل مبادرة المجلس الأعلى للقضاء مع باكورة أنشطته واستراتيجيته الجديدة طور التدشين، واحدة من الخطوات الأكثر جدية والمحملة بالكثير من الآمال والتطلعات، بما يرتقي بعمل السلطة القضائية في مملكة البحرين والتي يترتب على كفاءتها وسلامتها سلامة جسم الدولة كاملاً لما يحققه من عدل ومساواة وضمانات للجميع على أرض المملكة.نشير بتلك المبادرة لمشروع قضاة المستقبل الواعد والذي عمل فيه عدد من الخبراء والمتخصصين على إعداد وتصميم برنامج تدريبي متكامل يستقي خبراته من التجارب الدولية السابقة في المجال القضائي؛ بما يمكن من التأسيس لقاعدة قضائية راسخة ومتينة وبأعلى مستويات المعرفة والتدريب المنشودين، وذلك في سبيل تطوير القضاة الحاليين وتأسيس صف جديد من القضاة الشباب، إلى جانب الباحثين القانونيين، وهو ما يحقق المساواة في الفرص والتنافسية واستحقاق الثقة الملكية في القضاء للأكفأ والأكثر نزاهة واقتدار، وبما يمكن من رفع مستوى الإنتاجية وسرعة الإنجاز بما يجنب ترحيل قضايا العام الماضي، وهو ما يحقق قبل ذلك كله توازناً كمياُ ونوعياً لهيكل القضاة والباحثين القانونيين.إن الارتقاء بالمنظومة القضائية بما تحظى به من سلطة وثقة عاليتين، وبما يحملها مسؤولية تحقيق العدالة الناجزة في البلاد وبين العباد، وما تحظى به تلك السلطة الواعدة من اهتمام ملكي خاص يمنحانها علامة فارقة في تاريخها، أقل ما تستحقه رفد الجهاز القضائي بكوادر نخبوية مؤهلة ومتميزة تسهم في الارتقاء به. الأمثلة في ذلك قد تكون كثيرة ولا تقتصر على المجلس الأعلى للقضاء.. ولكن ما يوجه الأنظار للأخير هو التسارع والتلاحق في الخطوات الجادة التي يبذلها وبشكل منظم، وهو ما يشي بنقلة نوعية جديدة في مجال العمل القضائي في البحرين، ويبشر بنهوض حضاري مشرف.