الارتباط بالعمق ليست فكرة جديدة في العلاقات الدولية، فهي فكرة تقوم على ضرورة إنشاء التحالفات بين الدول المختلفة في موازين القوى والقدرات من أجل ضمان الاستقرار والحفاظ على المصالح المشتركة وتعظيمها. وقد يكون المثال المناسب لبيان هذه العلاقة هو الارتباط بالعمق القائم بين هونغ كونغ والصين، فرغم الحكم الذاتي الذي تتمتع به الأولى إذا أنها جزئية السيادة، وتم الحفاظ عليها بسبب ما تمثله من أهمية إستراتيجية للصين بموجب الانتقال التاريخي الذي تم في العام 1997، وبالمقابل قدمت الصين كل الدعم والحماية للحفاظ على المكانة المالية الدولية التي تتمتع بها هونغ كونغ.هذا هو الارتباط بالعمق السائد في حالات كثيرة من تجارب الدول وعلاقاتها الإقليمية، وعلاقاتها مع دول الجوار. هذه الفكرة النظرية ليست ببعيدة عن العلاقة القائمة بين البحرين والسعودية، وهنا لا نتحدث عن طبيعة الروابط بين البلدين لأنها من المسلمات والثوابت، بل نتحدث عن ارتباط بالعمق عبر عدة عقود منذ ستينات القرن العشرين عندما ظهرت الفكرة الأولى لجسر بحري يربط غرب البحرين بشرق السعودية، وهي فكرة تحققت خلال 25 عاماً لاحقاً لتشهد العلاقات البحرينية ـ السعودية أهم مرحلة تحول في تاريخها على الإطلاق.مشروع جسر الملك فهد الذي افتتح في 1986 أنهى الحالة الجزرية للبحرين، حيث صارت لها حدود برية قد تكون هي الأولى منذ قرون طويلة جداً، وهو ما يعطيها بعداً هاماً في الأمن الوطني. والآن نحن أمام مشروع جديد لإنشاء الجسر الثاني بين البحرين والسعودية أعلن خلال زيارة مهمة قام بها جلالة الملك للعاهل السعودي في جدة، فجسر الملك حمد هو الخطوة الثانية من الارتباط بالعمق، وإذا كان جسر الملك فهد قد ساهم في تنشيط العلاقات الاقتصادية والحركة التجارية بين البلدين. فينبغي أن يكون جسر الملك حمد المرحلة الجديدة لما بعد تنشيط الحركة التجارية، لتكون البحرين مركزاً تجارياً خليجياً بجسرين متطورين ضمن منظومة المواصلات الخليجية التي يجري تنفيذها منذ فترة. قد تفصلنا بضع سنين لنرى مشروع الجسر الثاني جاهزاً، ورغم أنها فترة قصيرة للغاية، إلا أنها فرصة تاريخية لإعادة هندسة أوضاعنا الاقتصادية والسياحية ليتم تحديد أولوياتها من جديد، وتحديد قطاعات الاستثمار المطلوبة فيها، وتطوير البنية التحتية السياحية ودفعها لاتجاهات معينة هدفها السياحة العائلية الخليجية، والجمهور السعودي في مقدمتها.مطلوب إجراءات تنفيذية سريعة من الحكومة تتناسب وحجم المشروع الضخم المقبل، وقد تكون فكرة مناسبة لتشكيل لجنة لإعادة هندسة الاقتصاد والاستثمار من القطاعين العام والخاص مهمتها إعداد الدراسات والتصورات العملية لتعظيم الاستفادة من مشروع جسر الملك حمد.