كلنا يعلم ما تعج به كتب التاريخ الإسلامي من ويلات ومآسٍ لا يمكن حصرها أو عدها، فهي ويلات من العيار الثقيل، وفي كثير من الأحيان وصلت إلى مستوى النكبات والجرائم وحروب الإبادة الإنسانية، ولهذا أصبح التاريخ مدرسة قائمة بذاتها، يمكن لنا استلهام الدروس منها واستخلاص العبر.إن القراءة الدقيقة والمتفحصة لوقائع التاريخ الإسلامي، ترشدنا إلى مواقع الخلل الثقافي والسياسي الذي انتهجه وأنتجه الأجداد، وعلى إثر ذلك قامت معارك دموية طاحنة، راح ضحيتها ملايين البشر، فسبيت النساء وتم قطع الرقاب والأوصال وتعطيل القيم الإنسانية والحضارية في كثير من مفاصل التاريخ.من واجبنا بعد أن نتأكد من صحة دراسة التاريخ الإسلامي وإرهاصاته، وهو أن نقوم باختبار الواقع من خلال التاريخ، وأن نتجاوز سيئاته إلى حسناته، كما من الضروري أن نضع التاريخ في طريقنا ونصب أعيننا كعبرة، لا أن نسترجع وقائعه من أجل إحيائها بذات الطريقة المكارثية التي خاضها من كان قبلنا من العرب والمسلمين من الشرق حتى الأندلس.إن دراسة التاريخ الإسلامي من أجل تجاوز أخطائه والاستفادة من دروسه، هي الحالة الصحية التي يجب أن تتحقق، لكن أن نقوم نحن بإنتاجه بطريقة دراماتيكية، بذات التفاصيل وذات الأحداث وبمستوى عنفه ودمويته ووحشيته، إما عبر شخوص هذا العصر أو عبر استحضار رجالاته الأشداء الغلاظ، فإننا بذلك نقوم بإنتاجه من خلال أنفسنا، وهذا أخطر ما يمكن أن يكون، فحين ننتج تاريخاً مزيفاً شرساً مجرماً دموياً بكل تفاصيله إلى هذا الزمن المعاصر، فإننا سنكون أشرس من أحيا التاريخ الميت بكل تفاصيله وأحداثه ورجالاته.لدى الغرب الكثير من ويلات عصور الظلام التاريخية، ولديه الكثير من رائحة الموت بعد الحربين العالميتين، لكن الغربي أصر على أن يستفيد من هذا التاريخ القصير في صناعة حضارة تليق بالإنسان، متجاوزاً كل سيول الدماء وكافة المجازر الوحشية التي ارتكبها أجداده، لأنه أيقن عدم مسؤوليته عن كل ما حصل في التاريخ، وأنه غير معنٍ بأحداثه، إذ لم يساهم فيها أبداً فهو يعتقد جازماً أنه ابن اليوم، والتاريخ هو لأبناء الأمس.أما نحن فكل ما فعلناه اليوم أننا أنتجنا من خلال تاريخنا الطويل، مجموعة من السلوكيات المرادفة لكل بشاعات وأهوال التاريخ الإسلامي، تاركين خلف ظهورنا كافة الإنتاجات الحضارية لكبار علماء المسلمين وفلاسفته، منحازين إلى ثقافة الحروب والكراهية والدماء وإثارة الفتن على كل محاولات النهوض.يبدو أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى صدمة من أجل أن تستيقظ من رحلتها في الطريق الخطأ، ونحن في ذات الوقت نعتقد أن الصدمة المروعة التي نمر بها حالياً تعتبر من أقوى الصدمات على الإطلاق، لكن على ما يبدو وحتى هذه اللحظة حسب اعتقادنا القاصر، لم نستفد من هذه الصدمة أي شيء، ولهذا فالتاريخ بالنسبة لنا هو ما نقرأه وما نعلمه لصغارنا كحكايات بطولية فارغة وقصص، وكيف يمكن لهم أن ينتجوا عنتريات تحاكي قطع الرؤوس وسفك الدماء وهتك الأعراض وسبي النساء فقط، أما ابن رشد وابن سيناء والفارابي وابن عربي وغيرهم الكثير من علماء المسلمين، فإنهم بالنسبة إلينا مجرد رجالات هامش يعيشون في زاوية ضئيلة في تاريخ مليء بالزيف والتدليس!إذا كنا لا نستطيع قراءة التاريخ أو عجزنا عن قراءته بطريقة علمية لائقة، فإننا سنكون عن قراءة الواقع أكثر عجزاً