بعد أيام ستصدر نسخة جديدة من تقرير ديوان الرقابة الإدارية والمالية، هي النسخة الحادية عشر أو الثانية عشر إن لم تخنا الذاكرة.طبعاً سيصدر التقرير قبل نهاية العملية الانتخابية وقبل تحديد الواصلين للمجلس النيابي، وهذا ما قد – أقول قد – يكفينا شر التصريحات الفنتازية التي كانت تصدر من بعض النواب كلما صدر تقرير، وقد تجنبنا «جرعة زائدة» من جرعات التهديد بالويل والثبور للمسؤولين والقطاعات التي فيها تجاوزات إدارية ومالية، ثم تنتهي زمنياً ويوضع الملف في الأدراج.ديوان الرقابة المالية والإدارية فكرة رائدة من أفكار جلالة الملك حفظه الله منذ بدأ مشروعه الإصلاحي، وهي فكرة مطبقة في الكثير من الدول المتقدمة في تجاربها الديمقراطية والناهضة في حراكها المجتمعي والساعية للتطور.مثل هذه الأدوات «القوية» التي تمتلكها البحرين كدولة ومعنية بعملية الإصلاح والتصحيح، هل بعد أكثر من عقد يمكننا تحديد إجابة صريحة وواضحة على سؤال مفاده: وهل استفدنا الاستفادة الكاملة من وجود هذه الأداة الرقابية؟!للأسف الجواب سيكون بـ«لا»، وهو ليس مقروناً بجودة عملية الرقابة وتكامليتها، بل معني بالإجراءات التي يفترض أن تتبع عملية الرصد والتدقيق.ديوان الرقابة المالية والإدارية عبر فريق عمله المتميز والذي يقوده رجل صاحب خبرة مشهود لها ووطنية واضحة الأخ حسن الجلاهمة، يقدمون سنوياً مادة جاهزة مفصلة لمن يريد بيان الأخطاء والتعامل معها بوضع حد للتجاوزات والسلبيات، فهل استفدنا من هذه المادة الجاهزة؟!مجلس النواب هو جهة رقابية أيضاً، لكنها إضافة إلى ذلك تمتلك حق المساءلة والمحاسبة وحتى طرح الثقة في كبار المسؤولين، فهل أدى المجلس دوره فيما يتعلق بالتقرير طوال السنوات الماضية؟!شخصياً – ويتفق معي كثيرون – أقول بأنه – أي مجلس النواب – لو أدى دوره في المحاسبة والمساءلة لوجدنا حجم التقارير ينقص ولوجدنا التجاوزات تقل، ولوجدنا «الضمير» يصحو لدى كثير من المسؤولين، لكن للأسف ونقولها بكل أمانة، للأسف حتى الآن لم نر تعاطياً قوياً مع مخرجات التقارير.ضعنا في السنوات الماضية بين جدال غير مجد حول صلاحيات الإحالة للنيابة، وبعض النواب رموا بـ «عجزهم» على عاتق الديوان نفسه، رغم أن نصوص لائحة الديوان واضحة فيما يتعلق بصلاحية الإحالة للنيابة، وهي مرتبطة بإثبات دلائل أركان المخالفة الجنائية، وهي مسألة لا تكون نتيجة إلا عبر تعاون القطاعات المعنية بشأن تفعيل توصيات ديوان الرقابة وإجراء التحقيقات الداخلية اللازمة وإثبات كل شيء بالأدلة.النواب ضيعوا فرصاً عديدة بشأن التقارير، وكان سهلاً عليهم جداً «بدل الجدال الذي يضيع الوقت» أن يستفيدوا من الجزئية التي يلحقها الديوان بتقريره السنوي، وأعني هنا تلك المعنية بعملية «متابعة» تنفيذ التوصيات بشأن الملاحظات التي يتم إيرادها، بمعنى أن الديوان نفسه يقوم – مشكوراً – بمتابعة الجهات في تنفيذها للتوصيات ويورد في نسخة العام المقبل ما تحقق منها وما تأخر وما لم يتم التعامل معه، وبالتالي سهل جداً على النواب – لو كانوا جادين – أن يتناولوا هذه الجزئية بحيث يقومون بمحاسبة مباشرة لمن لم يتعاون في تصحيح أوضاعه وإنهاء الأخطاء، لكن هل هذا حصل؟! طبعاً لا.الآن ونحن مقبلون على عملية ترشح وإطلاق شعارات ووعود للناس، وتزامن ذلك مع صدور تقرير رقابي جديد، ما نريده مترشحون يكونون جادين في وعودهم بشأن تقارير ديوان الرقابة، نريد أن نقرأ برامج انتخابية مبنية في أساسها على عمليات التصحيح والبناء ومحاربة الأخطاء والتجاوزات، وأن «تتعهد» نعم تتعهد للناس بأنها أول ما ستهتم به هي التقارير والتعامل معها بجدية بحيث تكون هناك عملية محاسبة ومساءلة جادة وفورية.إن كنا نريد الصلاح للمجتمع علينا أن نستفيد من الأدوات التي تساعدنا على تحقيق هذا الإصلاح، وتقرير ديوان الرقابة المالية هو أحدها، استخدموه في تعديل الأوضاع ولا تستخدموه في «الشو» والصراخ البطولي والاستعراض الإعلامي.