أزمـــات الديمقراطيــة، وأزمـــات التحـــول الديمقراطي في أي مجتمع هل تعتبر طبيعية؟ أم أنها خيارات قسرية تتطلب تعديلات جذرية في بنية النظام السياسي؟ ولماذا تحدث في الأساس؟أسئلة محورية اهتم بها علماء السياسة منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم، وقدمت الكثير من الرؤى والتصورات لتفسيرها ومعالجتها لن ندخل في تفاصيلها الآن.ولكن مجملها يؤكد أن أزمات الديمقراطية وأزمات التحول الديمقراطي بمسماها الأدق طبيعية، ومن الممكن أن تحدث في أي مجتمع، وسببها الرئيس غالباً هو تضارب المصالح بين الفاعلين السياسيين في المجتمع، والفاعلين من الممكن أن يكونوا التنظيمات السياسية، والمكونات الإثنو ـ طائفية، وجماعات المصالح ممثلة في مؤسسات المجتمع المدني، وحتى النخب المختلفة. مقاصد الديمقراطية الأساسية هي كيفية ضمان سيادة الإرادة الشعبية في النظام السياسي ليكون الحكم في النظام ممثلاً لمختلف المصالح المتباينة عبر مختلف المؤسسات الدستورية التي يتم تأسيسها، وكذلك الممارسات الديمقراطية التي تتم سواءً تعلقت باختيار أعضاء السلطة التشريعية ومجالس الإدارة المحلية (يعبّر عنها بالمجالس البلدية). وبالتالي آليات الديمقراطية وحراكها السياسي هو كيفية ضمان إحداث التوافق بين كم هائل من المصالح المختلفة داخل المجتمع. عملياً فإن آليات الديمقراطية هي صمام أمان لعدم تفوق المصالح الفرعية على المصالح الوطنية المشتركة بين جميع الفاعلين السياسيين. والمحصلة النهائية من هذه العملية هي عدم تهميش أي مكون ومصالحه داخل المجتمع بحيث لا يكون هناك تغليب للمصالح الضيقة على المصالح العامة. ومثال ذلك في الحالة البحرينية أنه لا يمكن تغليب مصلحة طائفة أو جمعية سياسية على المصلحة الوطنية التي يفترض أن توفر الحد الأدنى من المصالح للجميع. هذا التقديم الموجز من الممكن أن يساعد على فهم الأزمات التي مرّت بها الديمقراطية البحرينية منذ العام 2001 وحتى يومنا هذا، وهي أزمات كثيرة، ولكن تمت معالجتها، وقد نتحدث عن آليات المعالجة لاحقاً. وقبل ذلك من الأهمية بمكان أن نستعرض أزمات ديمقراطيتنا طبقاً لتسلسلها التاريخي. أزمات الديمقراطية قد تكون بسيطة، وقد تكون عميقة وجذرية، والديمقراطية البحرينية مرّت بهذه الأزمات كغيرها من الديمقراطيات الناشئة في العالم، وفيما يلي عرضاً لأبرز هذه الأزمات:أولاً: أزمة الشرعية: في العام 2002 ظهرت بعض القوى السياسية وطعنت في شرعية التعديلات الدستورية التي أجريت في ذلك العام بتفويض شعبي من خلال ميثاق العمل الوطني.ثانياً: أزمة النظام السياسي: تمثلت في أحداث فبراير 2011، فهي الأزمة التي شهدت ظهور قوى سياسية طالبت بتغيير راديكالي للنظام السياسي البحريني، وتحويل الملكية الدستورية إلى جمهورية ثيوقراطية. هاتان الأزمتان الرئيستان اللتان ظهرتا منذ بداية تأسيس الديمقراطية البحرينية، وهما بالفعل أزمات عميقة لأن لهما نتائج على نطاق واسع محلياً، وتداعيات طويلة المدى. وبينهما نحو 9 سنوات، برزت خلالها مجموعة من الأزمات التي تميّزتا بالشكلية، ومثالها أزمة شرعية الجمعيات السياسية عندما ألزمت بحسب القانون التسجيل في سجل الجمعيات السياسية بوزارة العدل، وأثير جدل حينها في العام 2005 بشأن شرعية هذا القرار، وكشفت الأوضاع آنذاك أن هناك جمعيات تطالب بدولة القانون، ولكن عندما يطالها القانون فإنها لا تلتزم به ولا تكترث به. وكذلك أزمة قانون الأحكام الأسرية بشقها الجعفري، عندما تدخلـــت المـــؤسسة الدينيــــة الشيعية التي تمثل تيار ولاية الفقيه وأعلنت رفضها لمشروع القانون لأنه مساس بنفوذها السياســي فتعطــل مثل هذا القانون ولم ير النور حتى الآن. المعادلة المنطقية لأي أزمة من أزمات الديمقراطية، هي المزيد من الديمقراطية، بمعنى أنه لا يمكن إصلاح النظام السياسي الديمقراطي إلا بمزيد من الإصلاحات الديمقراطية. هذه القاعدة الأساسية بسيطة، ولكنها بطبيعة الحال تثير سؤالاً آخر؛ هل يفترض أن يكون تنفيذ القاعدة (إصلاح الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية) من خارج المؤسسات الدستورية، أو ينبغي أن يكون التنفيذ من داخل هذه المؤسسات؟إذا أجريت إصلاحات سياسية خارج المؤسسات الدستورية القائمة في مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي فإن إشكاليتها تتمثل في إنهاء شرعية هذه المؤسسات من أجل تنفيذ مجموعة من المكاسب والحفاظ على بعض المصالح. بالمقابل إذا كانت العملية عكسية، وتمت الإصلاحات من خلال المؤسسات الدستورية القائمة فإن تنفيذ معادلة الإصلاح ستكون أكثر فاعلية، وستساهم في تعزيز شرعية المؤسسات الدستورية، ويدعم دورها داخل النظام السياسي. بتطبيق ذلك على الحالة البحرينية، فإنه لا يمكن السماح بإجراء إصلاحات سياسية خارج إطار المؤسسات الدستورية لأن ذلك يعني مساساً بسيادة الإرادة الشعبية. وإذا كانت أزمات الديمقراطية البحرينية قائمة، فإنه لا يمكن معالجتها خارج إطار هذا السياق أو المعادلة مهما كان المبرر.
Opinion
كيف ننظر لأزمات الديمقراطية البحرينية؟
28 سبتمبر 2014