هناك طرفة تحكى عن زعل إحدى الزوجات على زوجها، فلما حان موعد العشاء وضعت له الطعام ورحلت متظاهرة بأنها لا تريد أن تتعشى، فقالت ابنتها الصغيرة بكل براءة «وأنا أيضاً لا أريد أن أتعشى، فقد أكلت بالمطبخ مع أمي». هذه النكتة تجسد حال الوفاق وتخبطاتها ومكابراتها في المشاركة العلنية في الانتخابات من مقاطعتها، خوفاً من خسارة شارعها الذي زرعت فيه أفكاراً مسمومة وباتت اليوم في موقف حرج معهم وكيفية التصرف وإفهامهم أن مشاركتها لا تأتي بسبب «مصالحها السياسية ومكاسبها الشخصية مقابل مصالحهم الشعبية كفئة خدعت بتبني مشروعاتها الإرهابية»، بمعنى أن هناك في شارع الوفاق من قد يفسر مشاركة الوفاق وحصولها على مناصب سياسية أن دماء أبنائه وحريتهم ضاعت سدى ولم يكن لها محل اعتبار أمام تبدل خطة كيفية استحواذهم على المغانم السياسية. لمن يستحضر ذاكرة تجربتنا البرلمانية عليه أن يستحضر موقفهم إزاء الانتخابات التكميلية بعد انسحابهم من مجلس 2010، وإعلانهم أمام العالم أنهم انسحبوا كلياً و«نهائياً»، مبدين أن قرارهم يأتي تماشياً مع الشعب، ورفضهم ما وصفوه «قمع اعتصام متظاهريهم»، وهو شعار رنان استخدم لمغازلة الشارع و«الطبطبة» عليه، كما فعلت الزوجة وابنتها في نكته حين «تعشوا سراً»، ودسوا ضمن لانتخابات التكميلية مرشحين من اتجاههم السياسي وهو ما كشفته جلسات المجلس لاحقاً.لا يعنينا ذكر أسماء مثلت اتجاهات الوفاق في مجلس 2010، بقدر ما يعنينا استعراض موقفها المتناقض ومناكفاتها حين لم تستطع أن تلتزم بهذه المقاطعة، فدست عناصر تمثلها فيه وإن لم يكن بشكل مباشر.التاريخ يؤكد أن الوفاق لا يمكن أن لا يسيل لعابها أمام أي مكاسب سياسية من الممكن أن تحققها حتى وإن تظاهرت بأنها «زمزانة» وبالمناسبة فحتى فيما يخص استجواب الوزراء أو طرح الأسئلة سابقاً كان لها حساباتها السياسية في لعبة التصويت أو الامتناع مقابل التفاوض من تحت الطاولة على تمرير بعض الطلبات والمشاريع الخاصة التي تخدمهم شخصياً ولا تخدم شارعهم ومطالبه. ما زلت أذكر أحد المواطنين الذين يمثلهم أحد أعضاء الوفاق حينما قال «هذا النائب لم يكن لديه قبل المجلس سوى منزل وسيارة، والآن لديه أكثر من منزل وسيارة ونسي وعوده لنا ولم يهتم إلا بنفسه ولم نعد نراه إلا في المناسبات الدينية أحيانا». ولعل سيناريو راتب تقاعد النواب أكبر شاهد قد ظهر على السطح حينما تعطل في مجلس 2002 نظراً لعدم وجود توافق بين النواب وعندما أطلق معممهم الكبير فتوى بتحريم تقاعد النواب من منطلق دينوي عام 2004 بالقول «المشروع فيه تكريس للطبقية الفاحشة ومقايضة خسيسة ومسايرته منافية للتوجه الرسالي الواعي والحس الإسلامي الحي ومسقطة لسمعة الدين ومضعفة للواقع الديني على الأرض حاضراً ومستقبلاً، وهذا ظلم فاحش كبير» إلا أن مجلس 2006 أقر هذا المشروع سريعاً، رغم أن النواب المحسوبين ضمن الموالين «ما حبوا» أن يحرجوا الوفاق عند طرح المشروع وقتها فاقترحوا أن يكون الراتب اختيارياً، حيث إنه يجب على كل من يود من النواب أن يحصل على راتب تقاعدي بعد انتهاء خدمته أن يسجل اسمه والكل يدرك يومها ماذا حصل بعد جلسة المجلس، حين فضح أحد النواب ما فعله أحد نوابهم وهو يقف على أبواب النواب و«يترجاهم» أن يختاروا ليكون إجبارياً لا اختيارياً مع بقية زملائه الوفاقيين حتى لا يحرجوا أمام شارعهم وحتى «يكون الموضوع زلقة بطيحه وعذراً ترقيعياً أمام ناخبيهم بأنه ليس باليد أي حيلة طالما أقر إجبارياً» نعم هكذا قالوا ليقنعوا نواب 2006 عيني عينك ومن غير حيا بتمريره بنظام الإجباري لا الاختياري.الذاكرة أيضاً تصل مع متابعة كل هذه المشاهد إلى استنتاج أن زمرة الوفاق لديها هوساً بانتخابات مجلس النواب وأموال المجلس وامتيازاته التي بددوها على سفراتهم عندما تبين أنهم أكثر من كانوا يستخدمون موازنات المجلس في الرحلات الخارجية، كما أن السجال الذي جرى بين الأمين العام لجمعية أمل محمد المحفوظ ونائب رئيس الكتلة خليل المرزوق عام 2009 بمنطقة الزنج حينما تلاسنوا حول قبول الوفاق براتب التقاعد مذكراً إياهما بما جاء في خطبة عيسى قاسم، حينما قال المرزوق «مبدأ التقاعد للنواب لا إشكال فيه على اعتبار أن هذا التشريع ليس موجهاً لشخص بعينه أو جمعية معينة أو حتى طائفة ويستكثر البعض على النائب الحصول على راتب تقاعدي ويريد منه أن يعيش عيشة الفقراء حتى يثبت إخلاصه في عمله وأدائه، هناك من يقول إن الناس هم أولى بالأموال التي ستصرف على تقاعد النواب، وكأننا سنأخذ هذا المال من بين أفواههم»، للعلم هذا كلام المرزوق الذي نشر دون أن نزيد عليه شيئاً، فكلامه يكشف موقفهم المتناقض البعيد عن الزهد وشعارات التوزيع غير العادل للثروات والطبقية والعدالة. لذا فتخبطات الوفاق ومكابراتها سياسة مكشوفة لمن يفهم ألعابها المكررة، وحينما تستخدم لعبة «الشد والتراخي» مع الحكومة أملاً في الحصول على مناصب سياسية جديدة، فكل تصريحاتهم وشعاراتهم بتمثيل الإرادة الشعبية كلام فارغ سرعان ما يتلاشى أمام الإرادة الشخصية الراغبة في الحصول على المزيد من الأموال والمكتسبات، سواء أكان بتناول مكاسبهم علناً أو التوجه إلى مبدأ «العشاء السري في مطبخهم البعيد عن الأعين».فمن صدق دجلهم بعدم المشاركة في الانتخابات القادمة ستبدي له الأيام أن هذه الدعوات سرعان ما ستتلاشى «والله نتحدى أن لا نجد في المجلس القادم عناصر وفاقية الهوى مدسوسة إن لم تتخذ الموقف العلني في المشاركة لتمثلها وتمثل أجندتها وتكمل مشوارها في نهب كل ما يمكن أن تصل إليه يدهم في سبيل المحاصصة الطائفية».