قالها أجدادنا -رحمهم الله-: «أنا وأخي على ابن عمي.. وأنا وابن عمي عالغريب»، لذلك عاشوا دهراً متآلفين متحابين متصاهرين، لم يستطع أن يفت في عضدهم أي دخيل ولم تكن الدسائس والفتن الطائفية تعرف لهم طريقاً ومسلكاً.والشعبان المتناظران، أو قل التوأمين، في كثير من العادات والتقاليد والتاريخ والتنوع المذهبي هما شعب العراق؛ صاحب حضارة وادي الرافدين، وشعب البحرين؛ صاحب حضارة دلمون الضاربة في عمق التاريخ. فقد عاشا وسطرا أروع البطولات والملاحم وأضافا للحضارات الكثير.وأتى الإسلام الحنيف فهذب وصقل هذه التجارب وانطلق بها إلى أرجاء العالم، فكانت المذاهب عامل توحد وألفة بين أتباعها لا عامل فرقة وتنافر، كما هي اليوم، فلم نكن نعلم أن الجاحظ وابن سيرين والبحتري والشافعي وأبا حنيفة والباقر والكاظم والشوكاني وابن كثير وجمهرة من المفكرين والعلماء يتعبدون بمذهب أهل السنة والجماعة أم بالمذهب الجعفري وآل البيت عليهم السلام؟وتوارثت الأجيال ذلك ولم يخطر ببال أحد أبداً أن يفتش عن مذهب الآخر ليخطئه ويسفهه، فالكل تحت خيمة الإسلام، بل كانت التجارة وكل مناح الحياة تدار من قبلهم جنباً إلى جنب، وحتى التصاهر بينهم من الأمور الشائعة، والتي أصبحت اليوم، بفعل أياد خبيثة خفية، من المكفرات بل من الموبقات. فالشعر كان في بلادنا أجمل ولم نكن نعلم يوماً أن الجواهري ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب ومظفر النواب وعبد الرزاق عبدالواحد وعيسى بن راشد والشرقاوي أشيعة كانوا أم سنة، والطرب والفن كان ينساب إلى قلوبنا كالشلال قبل آذاننا، وما كنا نعلم أن الغزالي والقبانجي وحضيري أبو عزيز وزهور حسين ووحيدة خليل وعفيفة إسكندر والحجي راضي وعبوسي شيعة أم سنة، وحتى ساحرة قلوب الشباب، كرة القدم، والتي رفعت اسم بلادنا في كثير من المحافل الدولية بأسماء لامعة مثل الكابتن الراحل عمو بابا ومؤيد البدري وحسين سعيد وعدنان درجال والكابتن صالح محمد الشاوش وحارس المرمى الشهير يوسف العرادي، وحتى هذا اليوم لا نعلم من هو منهم السني ومن هو الشيعي.بل حتى في مضمار الحكم والسياسة؛ فلو فتشت في الحكومات التي شكلها نوري السعيد والزعماء العراقيون المتعاقبون من بعده ومجالسهم النيابية فلا يستطيع أحد أن يميز من هو السني ومن هو الشيعي.عرف العدو بعد استخبار وجهد وتقصي أن المنفذ الوحيد لتفريق شتات هذه الأمة هو بث روح البغضاء والكراهية بين طوائفها ومذاهبها، فاشتغلوا على ذلك كثيراً، واستعانوا بمن باع دينه ووطنه بعرض الحياة الدنيا، واستمالوا الشباب ووظفوا كل إمكاناتهم، فوقع المحظور وفار في وادي الرافدين التنور.أناشد إخواني وأبنائي الشباب في كلتا الطائفتين الكريمتين ألا ينزلقوا وراء الفتن، ولا يكونوا معولاً بيد الأعداء، وأن يجعلوا من مناسبة عاشوراء يوم ألفة ومحبة وتسامح وعلى نهج وخطى قائدنا وسيدنا الحسين رضي الله عنه (سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة) وسلفنا الصالح ولنعمر يداً بيد أوطاننا بمحبتنا ولنكمل ما أسسه لنا أجدادنا براً بهم، وقبل ذلك طاعة لله ورسوله وثم آل بيته الأطهار.