لا يهم المفسدون في الأرض إن كثر عددهم أو قل حين تكون لديهم استراتيجية تفتح الطريق إلى السيطرة على الحكم ومفاصل الدولة بالكامل، وليس من الضروري أن تتم هذه السيطرة في شهر أو سنة أو حتى عشر سنوات، فالخطة الخمينية للسيطرة على الدول الخليجية لم تكن خطة آنية أو اعتباطية؛ بل كانت خطة خمسينية، ولا ضير أن تكون ستينية إذا واجهت صعوبة ما في دولة ما أو لم تخدمها الظروف، كما حدث في البحرين، عندما قرر أتباع الخميني تنفيذ عملية الانقلاب بعدما اطمأنوا أن مفاصل الدولة في يدهم من نفط وطيران واتصال واقتصاد، ولكن إرادة الله ستبقى دائماً فوق كل خططهم.نعود إلى كثرة المفسدين أو قلتهم، ونضرب مثالاً على ذلك اليمن، حيث لا تتعدى نسبتهم 3%، إلا أنهم استطاعوا اغتصاب المؤسسات الحيوية، وها هم الحوثيون يستولون اليوم على وزارة العدل والكهرباء والطاقة والخدمة المدنية والتأمينات والنفط والثروات المعدنية والتعليم الفني والتدريب المهني والثقافة، وإذا ما قارنا نصيبهم من المؤسسات الحكومية نجدها لا تختلف عن سيطرة أمثالهم في البحرين، وذلك إذا عرفنا من يشغل مؤسسات الطاقة والنفط، كذلك الأمر بالنسبة للتعليم الفني والمهني، حيث رأينا كيف تم استغلال هذه المؤسسات، ومنها معهد البحرين للتدريب، والذي تخصص في تدريس جميع التخصصات الهندسية كهربائية وميكانيكية ومدنية وكيميائية، ورأينا من هم الدارسون والخريجون، نعم إنها السياسة التي نظن أنها تنفذ في دول خليجية أخرى، تنفذ بكل هدوء وحيلة، إنه التأهيل والتدريب الذي يأتي بعده التمكين.نعود إلى اليمن؛ حيث ستستوعب هذه المعاهد الفنية أبناء الحوثيين وغيرهم من منتسبي دول الخليج، وقد تدرس فيها الأمور العسكرية، إذن هذه القلة ستصبح قادرة على إدارة الدولة بعدما تصبح مفاصلها في يدها، ويظل أبناء اليمن من غير الحوثيين يبيعون العسل والصماغ والكركم والهيل والزعفران، وبعضهم يرعى الأغنام، وآخرون يعملون في وزارة الشؤون الاجتماعية أو في مؤسسة الشباب والرياضة والسياحة ومؤسسة حقوق الإنسان.هذا ما يسعى إليه الحوثيون وأتباع الولي الفقيه في الدولة الخليجية، وها نحن نرى كيف يصر الوفاقيون على مطالبهم بالحصول على حقائب الوزارات السيادية؛ الخارجية والدفاع والداخلية، أي أنهم متقدمون على الحوثيين، حيث المؤسسات الحيوية في أيديهم وليس بالضروري أن يكون الوزير منهم، فيكفيهم أنهم يسيطرون على هذه المؤسسات بنسبة تزيد على 90%، وذات الأمر يحدث في الدول الخليجية الأخرى مهما قل عددهم أو كثر، لأنه يكفي أن يكون لديهم عدد من المؤهلين، خاصة في المجالات التشغيلية والهندسية والفنية، الذي يعتمد عليهم في تنفيذ العصيان المدني والسيطرة على المؤسسات لحظة الانقلاب.ومن التشكيلة الوزارية في اليمن وما حدث في البحرين؛ يجب أن يعيد أصحاب القرار النظر في وضع استراتيجية تواجه هذا التغلغل والسيطرة على المؤسسات الحساسة في كل دول الخليج، وذلك باستغلال المعاهد الفنية لتدريب رجال الأمن والعسكريين، إذ إن التدريب العسكري لا يسد الحاجة وقت الأزمات، وكذلك الاستراتيجية التي فيها تخلص هذه المؤسسات الحيوية من قبضة اليد الواحدة، خاصة مؤسسات النفط والكهرباء والطاقة والاتصالات، كذلك بالنسبة للمؤسسات الحيوية التي تتعلق بمصالح الناس وتتطلب العدل في تطبيق القانون، ونضرب مثالاً على ذلك وزارة العدل، التي صارت من نصيب الحوثيين، وبدون شك بعد أربع سنوات سيصبح القضاة كلهم من الحوثيين، ولكم أن تتصوروا الأحكام التي ستصدر ضد أبناء الشعب؛ بالتأكيد لن تختلف الأحكام عن أحكام وزارة العدل العراقية والإيرانية.اليوم بات على جميع الدول الخليجية، والبحرين على وجه الخصوص، أن تدفع بأبنائها نحو التعليم الهندسي والفني وفي مختلف المجالات المطلوبة في المؤسسات الحيوية، خاصة النفطية، والتي تخضع آبارها ومصانعها ومواردها المالية لسلطة أتباع الخميني، وأن ينفضوا عنهم الملاحف والشراشف ويستيقظوا من نومهم فقد طال ليلهم، وإن استمروا في سباتهم لن يصبحوا إلا على أضواء كشافات السفن الإيرانية ورشاشة ميلشياته عند أبواب بيوتهم، هذا ليس مستحيلاً وليس من عالم الخيال؛ بل واقعاً نعيشه ونشاهده كل لحظة، ولكن مع الأسف التحرك جداً بطيء، بل معدوم، ولا ندري إلى متى ستستمر حسن النوايا، ولا ندري إلى متى ستكون الرغبة في الصلح والمصالحة دون أن يكون هناك تصور لحجم الخطر الذي يهدد أمن دول الخليج.