لا أفهم ما معنى إبداء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية «القلق» لقرار وزارة العدل البحرينية تجميد أنشطة جمعية الوفاق -الإيرانية الهوى- لمدة ثلاثة أشهر لتصحيح أوضاعها الداخلية وإزالة مخالفاتها، فبديهي أن أي بحريني سيطلع على البيان الصادر من خارجية ماما أمريكا الديمقراطية سيقول «وش دخل أمريكا في شأن داخلي بحريني؟ من أين لها الحق في محاولة التحكم في قرار تصدره جهة بحرينية رسمية متمثلة في وزارة العدل؟ ما هذا التطفل الذي تمارسه من تدعي الديمقراطية ودعمها لاتجاه دول المؤسسات والقوانين؟ أين احترامها لسيادة الدول وعدم تجاوز الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية؟». أما السؤال الآخر الذي سيطرح من قبل الرأي العام البحريني سيكون على شاكلة: ما قصة ميزان أمريكا الأعوج تجاه تعاطيها مع مسائل البحرين -هذا إن كان لها حق أصلاً في التعاطي والتعليق على الشؤون المحلية- الذي من خلاله تغض الطرف عن كل الحراك الإرهابي الجاري الممارس تجاه شعب البحرين رغم كل الإثباتات والأدلة التي تدل على تورطها مع جهات خارجية ترعى تمويلها مقابل نقدها وسرعة إصدارها البيانات التي تحاول من خلالها الضغط على مملكة البحرين والتدخل في أي إجراء رسمي داخلي يتم، حتى لو جاء لأجل تصحيح مخالفات لم تلتزم فيها جمعية الوفاق بالأنظمة والقوانين المعمول بها المتعلقة بالجمعيات السياسية، ومن جهة أخرى أمريكا تدرك تماماً أجندة الوفاق ودعمها للإرهاب وتنفيذها لأعمال إجرامية ما كانت لتقبل بها لو تمت في إحدى ولاياتها الأمريكية، ورغم كل ذلك لم نجدها يوماً تصدر بياناً واحداً تدين ما تقوم به؟تجميد نشاط جمعية الوفاق ليس «بدعة حكومية» أو «قرار مفاجئ وغريب وغير متوقع»، بل هو بالأصل يأتي لأجل دعم دولة المؤسسات والقانون الذي نظم حراك الجمعيات السياسية، وأكد أهمية عدم خلط السياسة بالدين واستغلال دور العبادة في أي أعمال لا تمت بصلة بالعبادات بل بالأجندة السياسية، ومن جهة أخرى تجميد نشاط هذه الجمعية بالذات، بل وإغلاقها، يعتبر مطلباً من مطالب الشعب البحريني، خاصة أهل الفاتح، الذين وقفوا خلال أزمة البحرين الأمنية 2011 وطالبوا بمحاكمة أصحاب الأجندة الخارجية والجهات الداعمة للإرهاب وإغلاق هذه الجمعية التي تتجاوز القانون دائماً، والذي معظم حراكها لا يمت للسياسة بصلة، بل بمحاولة إسقاط النظام البحريني وسفك دماء المواطنين والأبرياء، رغم أن الدولة قد جمدت نشاطها فقط لتصحيح أوضاعها الداخلية والقانونية ولم يتطرق القرار لما تمارسه هذه الجمعية من تجاوزات ومخالفات في أطروحاتها السياسية.كما إن تجميد نشاطها لعدم اكتمال النصاب القانوني يذكرنا بأداء وعمل كتلة الوفاق في مجلس 2006، وكيف فضحت التقارير المعدة لمتابعة مدى التزام وانضباط وعدد اجتماعات لجان المجلس ككل أداء أعضاء هذه الكتلة بالذات، خاصة عند ترأسهم للجنة المرافق والبيئة، حين أظهرت التقارير عدم اكتمال النصاب لهذه اللجنة وتعطل أعمالها ومشاريعها نتيجة عدم حضور أعضائها أكثر من مرة، إلى جانب تغيب العديد من أعضاء هذه الكتلة في اللجان التي يشاركون فيها إضافة لجلسات المجلس الرسمية.لذلك ليس مستغرباً أمام عدم انضباط من تدعي تمثيل الأغلبية العظمى من الشعب أمام العالم في مجلس الشعب والبرلمان التي ادعت المشاركة فيه لتحقيق مطالب شارعها ألا تكون منضبطة أيضاً في عقد اجتماعاتها الداخلية في جمعيتها، أما امتناعها عن موافاة وزارة العدل بآليات عقد المؤتمرات ومحاضر الحضور والتصويت؛ يلقي بالضوء على أكثر من حقيقة؛ أولها مدى التزوير الإعلامي الذي تعانيه هذه الجمعية من خلال ادعاءاتها الدائمة بأنها «أغلبية»، في حين يكشف الواقع مدى تواضع عدد أعضائها، بل والتزامهم بالعمل وانضباطهم، كما إن مسألة امتناعها عن موافاة وزارة العدل قد يكون دليلاً يؤكد حالة الغرور السياسي المتفشية فيها، والتي لا ترى نفسها مجرد جمعية سياسية إنما دولة تعمل وتخطط داخل دولة، تريد إفقادها سيادتها وإسقاط نظامها، وأنها لا تعترف بقوانين الدولة ولا تلتزم بها، فيما بيان خارجية أمريكا قد يؤكد دعم أمريكا ومباركتها لكل هذه المخططات والتجاوزات.الوفاق «فقيرة ديمقراطياً وحمقاء جداً» في حراكها السياسي، والذي لا تلتزم فيه بأية ضوابط، ويبدو أن مبدأ «قانون الغاب» الذي تسير عليه دائماً في مطالبها وطموحاتها السياسية قد استفحل فيها لدرجة أنه بات نظاماً تسير داخل جمعيتها، ودليل ذلك أن من يظن نفسه الأقوى دائماً هو من يحكمها سنين طويلة دون تدوير منصب رئاستها إلى دماء وفاقية جديدة، ودون تداول أطروحات جديدة واستعراض وجهات نظر أخرى غير تلك التي رفعت كشعارات عام 2011، طبعاً كل ذلك «ماما أمريكا» الديمقراطية المتطفلة على الشأن البحريني تغض النظر عنه أيضاً.الوفاق ترى نفسها دائماً فوق القانون ويحق لها أن تنظم اجتماعاتها وتعقدها في أي مكان حتى في دور العبادة، ولو أغلقت دور العبادة تلك لقامت القيامة وتباكت على ظلم النظام ومدى ديكتاتوريته تجاه الحريات الدينية، وظلمه لأصحاب المذاهب الأخرى، رغم أن الدولة قد وفرت مشكورة الأجواء الديمقراطية وأوجدت حق تأسيس الجمعيات السياسية ووفرت سقفاً عالياً من حرية الرأي والتعبير شرط التقيد بالأنظمة والقوانين المعمول بها، وكل ذلك لم «ينفع في عين الوفاق»، ولم تقف عنده خارجية أمريكا وهي تصدر بيانها المغرض الذي أكد للشعب البحريني المعنى الحقيقي للديمقراطية الأمريكية، فكل ما حدث سيناريو متكرر بات الشعب البحريني معتاداً عليه ولعبة سياسية مكشوفة، الوفاق تخالف القوانين متعمدة وأمريكا توفر لها غطاء الحماية من خلال بياناتها غير الحيادية التي تجعلها سبباً للتدخل في قرارات نظام البحرين.