يتمتع الشارع السني البحريني بميزة مازال الشارع الشيعي يفتقدها كي يتحرر من قيودها ويستطيع أن يندمج في الفضاء الوطني الجامع. فالشارع السني رغم تمسكه بدينه وتمسكه بطاعة الله وملء مساجده بالعباد والحمدلله وكثرة عدد محسنيه ومتصدقيه وتقربه من الله بكثرة وأعماله التطوعية إلا أنه يتميز بأنه حر في اختياراته وقراراته السياسية تحديداً، إنه لفخر له أنه تحرر من قيد الفتاوى الدينية وعبودية اللحية أو العمامة، التي تحدد لغيره قراره بدءاً من نية الزواج والانتقال لبيت جديد ووصولاً إلى قراره السياسي بالمشاركة أو المقاطعة أو اختيار مترشحين سياسيين لشغل منصب سياسي، إذ غالباً ما ينتظر الشارع الشيعي تحديد قرار المشاركة أو المقاطعة من المرجعية الدينية، ثم غالباً ما يحدد من يختار في حال المشاركة بناء على توصيف المترشحين من قبل عمامة من منهم المؤمنون ومن من المترشحين غير مؤمنين (وقد يكونون شيعة)! فتلك الحرية في اتخاذ القرار تجعل من الشارع السني سيد نفسه وقراره فردياً خالصاً، مما يعد في نهاية المطاف مسؤولاً عن تلك القرارات بحسنها وبسوئها، بصوابها وبخطئها، أضف إلى ذلك أن مهارة اتخاذ القرار السياسي عبارة عن خبرات تراكمية يحتاجها الفرد كي يتعلم من أخطائه ويتدرج في استخدام ذلك الحق الدستوري، وحسن الاختيار يحتاج إلى وقت ويحتاج إلى تجارب متكررة ومتواصلة.لا تعتقدوا أن الجمعيات السياسية الدينية السنية لم تستخدم «الدين» في حملاتها الانتخابية للتأثير على قرار الناخبين، بل بالعكس لقد طوعوا الفتاوى الدينية للتناسب مع مترشحيهم وتطعن في منافسيهم، واستضافوا رجال دين من داخل وخارج البحرين للتأثير على ناخبيهم، والنتيجة كانت 3 مقاعد فقط، حتى من ترشح وهو مدعوم من الجمعيات السياسية الدينية اضطر أن يدعي أنه مستقل وكان الانتساب لتلك الجمعيات مدعاة انتقاص منه (أعرف مترشحاً حلف لجارتي أنه مستقل رغم لحيته بعد أن قالت له إن كنت منتسباً لجمعية دينية سياسية فلن أنتخبك) والعين الآن على مواقف هؤلاء النواب إلى أين ستميل ومع من ستصطف.إلى هذه الدرجة تحرر الشارع السني من ربط التدين والطاعة والرضى بالجمعيات الدينية السياسية، قد يختارون شخصاً متديناً إنما لا يختارون جمعية سياسية دينية، فالشارع السني تخلص من القيد الرابط بين الدين والأحزاب الدينية. لذلك فإن الفاتح شارك بكثافة في الانتخابات وخرج عن بكرة أبيه لكنه كان حراً في اختياره في غالبية المقاعد التي فاز ممثلوها. بالمقابل إنه من المؤسف أن تبقى غالبية الشارع الشيعي وهو الشارع الذي عرف أيضاً بتدينه وبحسن التزامه، إلا أنه إلى اليوم بقي رهينة المرجعية تأخذه يميناً وتأخذه يساراً وهو طائع سائر في الركب، قرار الجموع مرتهن لدى رأي رجل واحد ليس معصوماً من الخطأ لكن تتعلق به الرقاب جميعها، ووحده من يقرر نيابة عنها قرار المشاركة أو المقاطعة، ويقرر نيابة عنها من تختار ، ويضطر هذا الشارع الواسع الكبير رغم تعدديته النفسية والانتمائية وتعدد احتياجاته أن يضحي بحريته وسيادته على قراره ويتبع عمامة أينما قادته تلك العمامة باستسلام تام، ثم يتحمل هو أي الشارع، لا العمامة نتائج تلك القرارات ووحده من يدفع الثمن ويبقى صاحب العمامة وأسرته وأبناؤه في منأى عن الخسائر التي تدفعها الجموع.والمفارقة أن هذه العمامة أفتت وحرمت المشاركة يوماً ثم أصدرت فتوى نقيض الأولى، بعد حين جعلت المشاركة في الانتخابات ضرورة شرعية وحتمية والتقاعس عنها حرام ومضرة ووو، ثم وفي يوم ما قررت العكس فعادت وأفتت بحرمة المشاركة حرمة قطعية... ومع ذلك التناقض الفاضح والتناقض الفج إلا أن الجموع بقيت وفية تأخذها العمامة ذات اليمين وذات اليسار.من قلد المرجعيات الإخبارية كان في منأى ومن امتلك الجرأة من مقلدي المرجعية الأصولية وأعلن عن قراره المخالف كان في منأى، هذه هي الشريحة التي نجحت في كسر طوق العمامة تمكنت من اللحاق بركب القطار الوطني، فتحية لهم ونرفع لهم القبعة، فهؤلاء يمكنهم الشراكة في بناء الوطن وبالإمكان الوقوف معها على أرضيته المشتركة الجامعة الوحيدة الحاكمة بينهم وهي دستور قبلوا به مرجعية حاكمة بينهم وبين الآخرين، أما من ظلت مرجعيته عمامة أو لحية فهؤلاء سيظلون يرجعون إلى عمامتهم ولحيتهم في كل ما يلتبس عليهم، ولا يرجعون للدستور وستظل أي دولة رهينة صراع اللحية والعمامة حين تختلف الرؤى بين الاثنين، وسيدفع مقلدو وأتباع هذه المرجعيات الثمن هم وأبناؤهم وأجيال قادمة من بعدهم.فهذا الذي ينتقد خسارة الجمعيات السياسية الدينية السنية ويضحك مستهزئاً بكل غباء، لا يعرف أن من أوقع بهم الخسارة هو الشارع السني هو المارد البحريني، هم من تعلم الدرس، هم من خرج من أسر القيد.... الدور الآن على من مازال قابلاً بأن يساق كالقطيع ويطلب المزيد من القيود!!ملاحظة:هل نحن ضد الأحزاب السياسية بالتأكيد لا.. وهذا مقال الغد.