المعارضة التي مازلنا نبحث عنهالابد أن يكون لدينا «معارضة» و«أحزاب سياسية» تنظم هذا الدور، تلك ضرورة لتطوير العمل السياسي وحفظ التوازن وحسن إدارة موارد الدولة، دونها كل الصراخ والضجيج هو هباء منثورا ويضيع في الهواء.لدينا كل الأدوات الدستورية والمشروعة والمؤطره التي تتيح خلق أحزاب سياسية معارضة لكن ليس لدينا أحزاب سياسية معارضة حتى الآن.ما اصطلح على تسميتهم بالمعارضة طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية لم يكونوا أحزاباً سياسية ولم يكونوا معارضة، كانوا عبارة عن فلول لتنظميات تشكلت في الخارج أدارت الصراع السياسي على «الحكم» لا على «الحكومة» طوال الأربعين عاماً الماضية وشتان بين الاثنين، وحين أعطوا الفرصة كي يحولوا صراعهم إلى منافسة على «إدارة» الدولة لم ينجحوا وفشلوا وعجزوا عن التحول.صعب على عقلية تربت ونشأت وتحزبت على حكم يجب إسقاطه أن تعمل تحت مظلته بدستور يؤطر حراك جميع الأطراف بما فيها حراك الحكم وحراكهم، ظل الخطاب وظل العمل بذات العقلية السابقة يعجز عن التقيد بأطر الضوابط الدستورية، طوال الاثني عشر عاماً، كان واضحاً جداً عدم احترامهم لتلك الأطر بــل الأدهــى أنهم استغلوها لاستكمال مشروع الإسقاط، وفي الحالات القليلة التي وجهوا فيها نشاطهم متعاونين مع السلطات ومتعاونين مع اللاعبين الجدد في الساحة السياسية أنجزوا الكثير للصالح العام، إنما نفسهم كان ضعيفاً وقصيراً وسرعان ما كانوا يعودون للشارع وللفوضى، الأدهى أنهم تجاوزا حتى الخطوط الحمراء في شرعية العمل السياسي ولم يتورعوا عن الاستعانة بقوى أجنبية حكومات ومنظمات مما يعد خيانة وطنية بكل اللغات والمسميات، لكنهم فعلوها من أجل مشروع الإسقاط الذي تلبسهم.هذه ليست «معارضة» هذه تنظيمات تصارع من أجل الحكم، ولم تكن أكبر هذه التنظميات عدداً وعدة سوى تنظيم طائفي لا يضم في عضويته سوى فئة محددة تابعة لإيدلوجيا ضيقة لا تعترف بالآخر، كيف لتلك التنظيمات أن تكون معارضة حرفية؟ كيف لها أن تركز جهودها في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية أو تعمل على حسن إدارة المال العام أو الرقابة عليه أو مساءلة السلطة التنفيذية مساءلة سياسية؟ شغلنا طوال الاثنى عشر عاماً بوقف التحفيز ضد التقسيمات اليزيدية والحسينية بدلاً من التركيز على محاسبة الوزراء والسلطة التنفيذية على هدر المال العام أو على ضعف الأداء السياسي للوزراء، ولم تنفع كل التدريبات الأمريكية في صقلها وتحويلها إلى حزب سياسي محترف، «الاجريب» الأمريكية صنع دمى فارغة المحتوى لا تملك من الأدوات الحزبية سوى ولائها الأيدلوجي وقليل من الجيل وربطات العنق وذلك لا يصنع عملاً حزبياً احترافياً.أما اللاعبين الجدد الذين دخلوا الساحة السياسية خلال الاثني عشرة عاماً الماضية فهم أيضاً حتى اللحظة لم ينجحوا في ملء هذا الحيز الذي ترك فارغاً منذ لحظة فتح بابه إلى يومنا، اللاعبون الجدد استغلوا المساحة الموجودة للجميع فدخلوها وهم حيارى بين معنى الولاء ومعنى تمثيل الشعب في سلطة رقابية، أسماء فردية تبرز من حين لآخر ثم تضيع وتذوب وتخضع للاستقطابات إما استقطابات التنظيمات الدينية السياسية أو تستقطب لحساب أسماء من السلطة، أسماء تملأ الدنيا صراخاً ثم تحوم حولها الشبهات، جمعيات تظهر وتتخبط في اتجاهاتها ولونها وتتردد فتختفي، أسماء وصلت من خلال الانتخابات التكميلية ثم ذابت وسط موج العمل التقليدي وحارت في من تذوب، ساعة هي تسترضي فلول التنظيمات السابقة وساعة تسترضي السلطات. وهكذا فتح المجال وأتيحت الفرصة ووضعت الأطر وتهيأت الأجواء لمن شاء أن يعمل بحرية تامة لكننا لم ننجح في الاستفادة من هذا المناخ حتى اللحظة، حتى الآن ليست لدينا قوى سياسية يمكن تسميتها «بمعارضة» فلا نمنح هذا الامتياز لتلك الفلول وننساق إعلامياً كما يراد لنا أن ننسق سياسياً بل يترك هذا المقعد شاغراً حتى يأتي تنظيم وحزب يستحقه والأيام ستبديه حتماً.في الوقت الحاضر نحن اخترنا من يمثلنا في مؤسسة دستورية والامتحان الذي وضع فيه الأربعون نائباً هو قدرتهم على شغل هذا الحيز وذلك المقعد، إنما في كل الأحوال حتى لو فشلوا فإن فلول الانقلاب لم ولن تكون تلك المعارضة التي نحتاجها.