أجريت الانتخابات النيابية والبلدية للمرة الرابعة في العهد الزاهر لجلالة الملك الذي أطلق سياسة الإصلاح والانفتاح عام 2000 بعد فترة وجيزة من توليه زمام القيادة للبحرين التي تحولت إلى ملكية دستورية في ظل دستور 2002 بعد أن وافق الشعب البحريني على ميثاق العمل الوطني بما يشبه الإجماع، وجاء ذلك بعد مبادرة جلالة الملك بإطلاق سراح المعتقلين والسماح بعودة المبعدين والمنفيين وتعويضهم وتعيينهم في مناصب عديدة تتماشى مع اهتماماتهم ومؤهلاتهم. ولقد مثلت المسيرة الديمقراطية نقطة انطلاق كبرى في تاريخ مملكة البحرين لأن الدعوة والمبادرة للإصلاح والتحول الديمقراطي جاءت من القيادة وتجاوبت معها جماهير الشعب الذي كان يحلم بها لعدة سنوات مضت. ولكن هذه المسيرة بقدر ما كانت سلسة وتجاوب معها الشعب، فإنها واجهت تحديات منذ اللحظة الأولى وأهمها تحدي أمام القيادة والشعب بإنجاح تجربة رائدة في بيئة مختلفة وفي ظروف مختلفة ومتغيرة، بل سريعة الإيقاع في التغير على المستويات الإقليمية والعربية والدولية، ويمكن القول بأن التجربة نجحت بدليل استمراريتها وتكرار الانتخابات للمرة الرابعة رغم محاولات التشكيك في مصداقيتها، وكما يقول رجال القضاء والقانون بأن الحكم (حكم القضاء) هو عنوان الحقيقة، فإن رجال السياسة من علماء أو عاملين ومتابعين للنشاط السياسي يقولون إن استمرارية التجربة وديمقراطيتها هو عنوان نجاحها ودليل مصداقيتها. لقد نجحت البحرين في تحدي الصعوبات واجتياز العقبات بفضل وعي الشعب، وحكمة القيادة، وتعاون دول مجلس التعاون وتكاتفهم لإنجاح تجربة مجلس التعاون الخليجي، الذي واجه هو أيضاً تحديات جسام منها غزو العراق للكويت وتحرير الكويت الذي نجح فيه تحالف المجتمع الخليجي والعربي والدولي، ومنها تحديات الربيع العربي الذي عصف بدول كانت تمثل ركائز في العمل العربي المشترك، وترسخت ركيزة جديدة وناشئة هي مجلس التعاون ودوله، وأصبحت تتمتع بتنمية بشرية في مقدمة تقارير الأمم المتحدة من الفئة ذات التنمية المرتفعة جداً، في حين باقي الدول العربية التي كانت تمثل الركائز للقومية العربية والقوة العربية تراجع أداؤها وتدهورت إنجازاتها، وأصبحت تقترب من حالة الدول الفاشلة، كما إن دولاً إسلامية لديها نفط وغاز بكميات كبيرة تجعلها في مصاف الدول العشر الأولى في الإنتاج والتصدير وتحقيق التقدم والرفاهية لشعوبها، تعرضت لعقوبات دولية فتدهورت أوضاعها نتيجة سياساتها الفاشلة القائمة على فكر عفي عليه الزمن، ومغامرات عسكرية وشبه عسكرية خارجية، واستنزفت معظم مواردها وأدخلت مفاهيم التمييز في قوانينها ونظمها، ورغم كل الظروف والتحديات ظلت دول مجلس التعاون والبحرين هي واسطة العقد وزينته ترفع شعار الديمقراطية والشفافية، وتدعو للحوار الوطني والحوار الديني وتدعو للمصالحة الوطنية.في ظل المتغيرات العاتية لما وصف بالربيع العربي، أثبت الشعب البحريني وعياً غير مسبوق يفرز الغث من الثمين في الشعارات، وإدراك مرامي كل شعار وأهدافه الخفية، فهو شعب ذكي وواع يعرف ما خلف السطور، وما هو في الصدور من نوايا طيبة وقليل منها غير ذلك. ولهذا أسقط الشعب البحريني بوعيه شخصيات وجمعيات سياسية في العملية الانتخابية، وبرزت شخصيات جديدة قيل إنه ليس لديها خبرة. ونتساءل من أين تأتي الخبرة؟ أليس كل سياسي عندما يدخل حلبة السباق يكون ذلك لأول مرة، وكل موظف يبدأ حياته فيكتسب الخبرة التي هي عملية تراكمية لا نهائية. إن الخبرة تكتسب بالعلم وبالتجربة وبالممارسة ومن خلال الخطأ والصواب للتجارب غير المسبوقة. أما تكرار الخطأ والصواب في التجارب المسبوقة لدى شعوب أخرى فهي عملية عبثية وضياعاً للوقت والجهد. ولعل من أهم قوانين التطور السياسي نذكر أربعة قوانين ذات صلة أولها هي قانون التدرج وثانيها قانون التوازن وثالثها قانون التوافق والحلول الوسطى ورابعها قانون الواقعية في المطالب. لقد أثبتت التجربة الديمقراطية في البحرين فشل الاتجاهات الطائفية والتي تحدها الشعب بكافة أطيافه، كما أخفق دعاة الاتجاهات المتطرفة وبرزت القوى العقلانية المعتدلة والمستقلة في فكرها وسلوكها، والتي يهمها العمل علي تقدم وطنها وشعبها والتعبير عن مصالح الجماهير والتمسك بالولاء للوطن دون غيره ختاماً نقول إن عقل الشعب البحريني هو عقل ناضج، وكذلك عقل القيادة البحرينية، هو عقل يدرك المفاهيم السياسية وطبيعة العمل السياسي وطبيعة المتغيرات الوطنية الإقليمية والدولية، لذلك يصر على إعطاء التجربة حقها وعلى إعطاء كل مرحلة ما يكفيها من وقت واستعداد ثم ينتقل للمرحلة التي تليها، عندما يكون الجميع قد تم إعداده وتهيئته لمرحلة الانتقال بسلاسة وبدون هزات مجتمعية وبدون تعصب أو كراهية أو صراع طبقي أو طائفي أو اجتماعي.إن القيادة البحرينية تدرك أن البحرين جزء من منظومة العمل الخليجي، ولا يمكنها التفرد وانتهاج تجربة منفردة، هذه مفاهيم أساسية للعمل السياسي في تطور المجتمعات. أما الثورات والانقلابات فهي مثل الزلازل والبراكين تدمر كل شيء، ولا تحقق تطوراً مجتمعياً على أسس ثابتة وركائز راسخة. وأخيراً تحية وتهنئة للقيادة البحرينية الرشيدة وللشعب البحريني الواعي والمدرك بحسه الطبيعي والتلقائي لماهية العمل السياسي وظروفه وأطره ومحدداته ومخاطره .ودعواتي أن يحفظ الله شعب البحرين بكافة طوائفه وأعراقه، وكل وافد لهذه الأرض الطيبة للمساهمة في نهضتها وتنميتها ولقيادة مملكة البحرين الحكيمة والحريصة على التقدم والإنجاز بما يحقق رفاهية المجتمع والشعب ويجعله دائماً في مصاف الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً.
Opinion
تحية وتهنئة للشعب البحريني والقيادة بنجاح الانتخابات
05 ديسمبر 2014