في اليوم الأخير من حوار المنامة العاشر، والذي اختتمت أعماله بنجاح أمس، كان لي شرف حضور جلستين هامتين، الأولى «السياسات الإقليمية لمكافحة الإرهاب والتطرف»، والثانية «قراءة لعشر سنوات من المتغيرات الأمنية الإقليمية».كلتا الجلستين ضمتنا، كبقية جلسات الحوار، نخبة متميزة من الشخصيات العالمية السياسية والعسكرية والإعلامية والخبراء، حيث تمت المناقشات بهدوء وبمستوى فكري عالٍ، يدل على حسن الاختيار والتنسيق من إدارة الحوار.كلتا الجلستين ركزتا على القضية الأكثر أهمية في المنطقة وهي «الإرهاب والتطرف» حيث طرح المشاركون آراءهم المختلفة في كيفية محاربة هذه الآفة، والتي ستشكل نقطة تحول كبيرة إذا ما تم التغاضي عنها أو تجاهلها لأي من الأسباب.الملاحظ أن المتحاورين، عرباً وأجانب، ركزوا على التنظيم الأشهر، حالياً، بين التنظيمات الإرهابية وهو تنظيم «داعش» مع ذكر أقل للقاعدة وفروعها في المنطقة؛ النصرة، القاعدة في جزيرة العرب، الشباب المسلم..، ما يوحي للمستمع أن إرهاب المنطقة ينحصر في هذين التنظيمين فقط، ومستبعدين على إطلاق وجود أي تنظيم أو فكر متطرف وإرهابي خارج جسد «داعش» و«القاعدة».لكن واقع الحال، وما يجري على الأرض يعطى كثيراً من المؤشرات بوجود أكثر من تنظيم وفكر متطرف تعاني منهم دول المنطقة، عدا عن إرهاب الدول المنظم، والذي أشار له معالي وزير الخارجية البحرينية في أكثر من مناسبة خلال حوار المنامة وما قبله.من الواضح أن هناك منحى لدى البعض، سواء بقصد أو بدون، لقراءة ملف الإرهاب من زاوية واحدة فقط، والرغبة بعدم توسيع هذه القراءة لتشمل كافة التنظيمات الإرهابية، بغض النظر عن أفكارها وتوجهاتها وأهدافها.فكما هي «داعش» تنظيم إرهابي، فلا يمكن أن ننفي هذه التهمة عن تنظيمات سبقت ظهور داعش بعشرات السنين، ونفذت خلال هذه السنوات عمليات إرهابية في أكثر من منطقة في الإقليم، ولا يمكن في هذا المجال إغفال الدور الإرهابي لـ «حزب الله»، والذي مارس عمليات إرهابية وتطرفه في لبنان سنوات طويلة، وجاء الوقت لينقلها إلى سوريا تحت راية تطرف طائفي داعماً للنظام هناك، سبق هذا التواجد عمليات إرهابية ودعم لوجستي ومالي وإعلامي لفروع التنظيم في الكويت والبحرين والسعودية والعراق..إضافة إلى حزب الله؛ فإن «الحوثيين»، والذين خاضوا ستة حروب ضد الدولة، وساهموا بفعالية لتحويل اليمن لدولة فاشلة، يعتبرون من أكبر التنظيمات الإرهابية التي يجب محاربتها في المنطقة، فالروح الطائفية التي ينطلقون بها ساهمت في إذكاء روح العداء والخراب والتدمير هناك.كل ذلك عدا عن عشرات التنظيمات المتطرفة الأقل حجماً، والتي لا تقل إرهاباً وعنفاً عن مثيلاتها، حيث رأيناها وبشكل كبير في العراق إبان سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، يأتي بجانبها ما برز من تشكيلات متطرفة في تونس وليبيا ومصر..- ورق أبيضكانت جلسات هذا العام نقطة مفصلية في تاريخ حوار المنامة الممتد لسنوات عشر، حيث لوحظ تقارب وجهات النظر بين كثير من الفرقاء السياسيين، والإجماع العالمي على محاربة الإرهاب والتطرف.. لكن مزيداً من القراءة للملف ستكون أكثر إفادة، والتركيز على إبراز الرأي الإقليمي والمحلي، خصوصاً الدول التي تعرضت للإرهاب، سيكون أكثر سرعة في فهم طبيعة الملف ومعالجته وإلى الأبد.