مع التغيير الوزاري الأخير وجدنا مجموعة من الأسماء قد تم التجديد لها لقادم الأعوام، وما أن عرف الصف الثاني المنتفع من المسؤولين في تلك الوزارات من التجديد لهؤلاء الوزراء، حتى هرولوا مسارعين يباركون له التجديد ليقدموا له فروض الطاعة والنفاق.ينقل لي أحدهم أن مسؤولاً في بطانة أحد الوزراء من الذين تم التجديد لهم، كان قلقاً ومتوتراً بسبب خوفه من عدم تجديد الدولة للوزير الذي يعمل على رأس وزارته، لأنه يدرك جيداً كما يدرك غيره من المتسلقين والمنتفعين، أن أي تغيير وزاري جديد سوف يعني فقدانه الكثير من الامتيازات التي يحصل عليها في الأعوام الطويلة الفائتة، ولربما يفقد كل «الدلع» والدلال الذي كان الوزير السابق يغدقه عليه من دون عناء أو مشقة.هذا الأمر كان أكثر ما يقلقنا من تكرار التجديد لبعض الوزراء، ربما لا لعيب فيهم، ولكن لمئات العيوب التي يتمتع بها الصف الأول والثاني والثالث من المسؤولين المعتقين الذين يسيطرون على مفاصل الكثير من الوزارات التي لم تتغير أنظمتها الجامدة منذ عقود طويلة، بسبب تغلغل هذه العناصر المنتفعة في أروقتها، فهؤلاء بنوا لهم تكتلات صلبة «وشللية أنس» داخل الوزارات، باتت تتحكم في الكثير من القرارات المهمة والمصيرية فيها، ولذا فإن تغيير المسؤولين أو تدويرهم أو حتى إجبارهم على التقاعد، قد يفسح المجال للدم الجديد أن يسري في عرق الوزارات بشكل طبيعي، مما قد يضفي حيوية وحياة منعشة على أداء الحكومة بشكل عام.حين لا يتغير الوزير، فإنه لن يتغير المسؤول ولا حتى المراسل، وبالتالي لن يتغير «سستم» الوزارة بشكل عام، وسيظل الجمود يحاكي العمل الوزاري بشكل مخيف، وإذا كان هنالك ثمة فساد في تلكم الوزارة فإنه سيظل مستمراً مع عدم دخول وجوه ودماء جديدة على خط التغيير الداخلي للوزارة.كلنا يعلم أن أعلى هرم في الوزارة هو معالي الوزير، لكن ليس بالضرورة أن يكون الخلل الحاصل هو من الوزير نفسه، بل في غالب الأحيان نجد أن الخلل والخطر يتمركز في الوجوه المسؤولة المتمكنة من الوزارة، تلك التي تملك من القرارات المهمة والمصيرية الشيء الكثير.ليس هذا فحسب؛ بل تظل البطانة الفاسدة لبعض الوزراء هي التي تقوم بإيصال أنصاف الحقائق إلى الوزير أو توصيلها مشوهة، حتى تستطيع القيام بمحاولة إقناعه بصوابية رأيها ولو كذباً، وبالتالي تستطيع تمرير مشاريعها من خلال موافقته وإمضائه، وهذا هو الخطر الأكبر.كل ما نتمناه حقيقة بعد التشكيل الوزاري الجديد هو أن ينتبه الوزراء إلى مثل هذه القضايا الخطيرة جداً، وذلك بأن يقوموا بين فترة وأخرى بتدوير المسؤولين بشكل دوري، حتى لا يتمكن المفسد من تثبيت قدميه في منصبه مدى الحياة، ولكي يقطعوا الطريق على كل المنتفعين، أما في حال أدرك الوزير بأن بطانته من هذا الصنف غير الوطني ولم يحرك ساكناً تجاههم، فإنه بكل تأكيد سيكون شريكاً معهم في إضعاف جهود الدولة حين تريد تقديم العطاء المتميز للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وسيكون الوزير المتخاذل مع بطانته وحاشيته من هذا الصنف، توهيناً حقيقياً لدور الحكومة وتقويضاً لجهودها بالكامل، وتهميشا لدور الموظف المخلص في داخل مؤسسات الدولة التي غيبته تقارير لا تظهر مجهوداته الوطنية على حقيقتها، فهمش مع سبق الإصرار والترصد.