في البحرين، كما الكثير من الدول العربية، تقتصر حالات ظهور الوزراء والمسؤولين في «الضروريات» فقط، فلديهم أشياء كثيرة أكثر أهمية من الاطمئنان على سير العمل في وزاراتهم ومؤسساتهم، أو حتى الظهور كأناس طبيعيين في المجتمع.فأنا، وقد بلغت من الكبر عتياً، لم أصادف يوماً أحداً من الوزراء أو المسؤولين الكبار يقف أمام محلات «تكة ابل» بانتظار شراء خمسة أسياخ «تكة» مثلاً، فهل يعقل أن سعادة الوزير أو المسؤول لا يستمتع بأكل «التكة» مثل كل البحرينيين؟! أم أن له «تكتة» الخاصة، ذات النجوم الخمسة، التي تختلف عن «تكة» الفقراء وعموم الناس؟!في صغري كان لدى تصور غريب جداً، شاركني فيه كثير من الصغار، وهو أن حياة الوزراء وكبار المسؤولين تختلف عن حياة كل الناس العاديين، فهم يأكلون بملاعق من ذهب، وجميع وجباتهم من الفنادق والمطاعم الراقية، فهم لا يعرفون العدس والفول والجرجير وعلب السردين.كنت أتصور أنهم لا يصافحون الناس العاديين خوفاً من انتقال الأمراض، فهم دائماً محاطون بعدد كبير من «البودي جارد» لمنع اقتراب المواطنين خوفاً من الأمراض المستعصية والأوبئة المنشرة.هذا التصور، للأسف، لم يتغير إلى الآن، فلا زلت أرى في كثير من الوزراء والمسؤولين شخصيات خيالية، لا تعيش معنا ومثلنا، فهم إما متحدثون في وسائل الإعلام أو محاطون بالحراسات خلال افتتاح مشروع أو حضور مؤتمر، يتناولون قضايانا بنوع من الدبلوماسية، يسمعون عنها ويقرؤونها ولكنهم، بالتأكيد، لا يعيشونها.فهل لنا أن نتصور أن أحد الوزراء يقف في طابور المركز الصحي مثلاً بانتظار الدخول إلى الطبيب؟ هل لنا أن نتصوره يأخذ موعداً للأشعة أو التحاليل أو لعملية جراحية بعد 6 أشهر؟ هل خطر في بال أكثركم خيالاً أنه تم استدعاء وزير أو مسؤول إلى مدرسة الرفاع الثانوية لأن ابنه تأخر في الحضور صباحاً أو تم ضبط «التلفون» معه؟! هل عاني أحد الوزراء أو المسؤولين من الوقوف لساعات أمام كاونتر «فيفا» من أجل الحصول على خدمة جديدة أو هاتف «أيفون 6»؟! هل لمح أحدنا وزيراً أو مسؤولاً يتجول في قسم العروض بمحلات «رامز» حاملاً قائمة «مقاظي» البيت التي أعدتها المدام له مسبقاً؟!ورق أبيض..دعوة جلالة الملك -حفظه الله- للوزراء والمسؤولين بالنزول إلى المواطنين تحمل في ثناياها كثيراً من الرسائل، أهمها ضرورة التعايش مع قضايا ومشاكل الناس بشكل مباشر، والعمل على إيجاد الحلول الناجعة لها، والتقليل من الاعتماد على التقارير «ذات القالب الواحد»، والتي عادة ما تصاغ بأسلوب دبلوماسي يقلل من حجم المشكلة، فالعيش مع الناس ومثلهم يولد القدرة على الإحساس بقضاياهم ويسهل إيجاد الحلول لها.