كعادته كل فصل تشريعي جديد، يقدم جلالة الملك رؤيته الثاقبة ورسالته الأبوية لمرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني في ظل المشروع الإصلاحي الكبير الذي انطلق منذ أكثر من عقد من الزمان.فجاء خطاب جلالة الملك، هذا العام، يحمل في ثناياه الكثير من الأفكار والرغبة الصادقة بتجاوز المرحلة الماضية من عمر البحرين، والانطلاق بروح وطنية وخطوة ثابتة للحاق بركب الدول المتقدمة فكرياً وتنموياً وبشرياً.فالمرتكزات الأساسية في الخطاب السامي انطلقت من الحرص الكبير للقائد الأب على تفعيل الروح الحقيقية للمواطنة، ضمن مشاريع التنمية المستدامة والاقتصاد والإنماء، مرتكزة في ذلك على ثروة البحرين الحقيقية، وهي الشباب، حيث خصهم جلالة الملك في هذا الخطاب بجزء كبير يؤشر على مدى الحرص الذي يوليه جلالته لهم، ولإيمانه العميق بأن الشباب هم عماد الوطن ومستقبله.قراءة متأنية في الخطاب الملكي يؤشر إلى الرغبة الجارفة والتصميم والعزم على تجاوز ما مضى، والانطلاق نحو تحقيق تطلعات أبناء الوطن، فجاء تركيز جلالة الملك على كثير من الأمور التي تلامس احتياجات المواطن اليومية، وعلى رأسها تنمية مستدامة أساسها الشباب بما يملك من وعي وعلم وتطلع نحو الأفضل على الصعيد الشخصي والوطني.إلى جانب ذلك لم يغفل الخطاب السامي معاناة الكثير من أبناء البحرين، فكانت الإشارة أكثر وضوحاً إلى العمل وبسرعة على حل المشاكل اليومية للمواطن، فأشار جلالته إلى مشكلة الإسكان وبشكل واضح ومباشر من خلال عمل المشروع الكبير الذي يتم تنفيذه لبناء 40 ألف وحدة سكنية في مختلف مناطق البحرين، والذي سيسهم في حل الجزء الأكبر من المشكلة الإسكانية، أحد أهم مشاكل المواطن البحريني.التعليم والصحة، وهما دعامة التنمية البشرية كما قال جلالة الملك، كانتا حاضرتين وبقوة في الخطاب السامي، فمجتمع متعلم وخدمات طبية عالية المستوى تعني استثمار حقيقي في المواطن، فالعلم أساس التنمية وعمودها الفقري والقادر على خلق جيل منتمي إلى أرضه وتاريخه وتراثه، يدافع عن وطنه ويبني مستقبله بالعمل والمعرفة.ولإيمان جلالة الملك بأن هيبة الدول وسلطتها واستقرارها واستقلالها لا تترسخ بشكل حقيقي إلا بوجود أجهزة عسكرية وأمنية قادرة عن الدفاع عن الوطن والذود عن حياضه، فقد خص الخطاب السامي حماة الوطن من أبناء البحرين بالعناية والاهتمام، وتقديم الشكر لهم على ما يبذلونه من جهد لحماية البلاد والسهر على أمنه، وهذه اللفتة الكريمة من جلالته لم تكن لتغيب في هذا الظرف التاريخي الكبير.فجلالة الملك، وهو من أبناء المؤسسة العسكرية البحرينية، يؤمن إيماناً راسخاً بأن الجندية الحقة والشرف العسكري والاستعداد لتقديم الأرواح للوطن، هي التضحية الأكبر الذي يقدمها أبناء البحرين لوطنهم، لذلك فإنهم دائماً في فكر قائدهم الأعلى، يحرص على جاهزيتهم وقدراتهم القتالية، ويتابع أولاً بأول تدريباتهم وتسليحهم، فهم قرة العين ورمز الاستقلال والهيبة.الشأن المحلي، وإن كان قد استحوذ على الجزء الأكبر من خطاب جلالة الملك، إلا أن الامتداد الخليجي والعربي كان حاضراً في فكر القائد، فركز على عمق العلاقات بين الأشقاء في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، مشيداً بما تحقق من إنجازات على كافة الأصعدة، والتي هدفها الأول المواطن الخليجي، فقد أشاد جلالته بما تحقق في قمة الدوحة الأخيرة، والتي ستكون انطلاقة جديدة لعمل خليجي مبني على أسس متينة من التعاون والتغاضد والمصلحة المشتركة لأبناء الخليج العربي.فلسطين، كما كانت دائماً، قضية البحرين المركزية، وهذا ما أكده جلالة الملك في خطابه السامي، ما يؤكد على أن البحرين، والتي كانت من أوائل الدول التي وقفت ودعمت الحق الوطني في إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لم ولن تتخلى عن مواقفها، والتي بنيت على مدى عقود طويلة من الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، فالحق الفلسطيني هو أحد أهم ثوابت السياسة الخارجية للدولة البحرينية، وقد تمثل ذلك في كثير من المساهمات والمبادرات التي كانت البحرين سباقة لها، وكان آخرها الدعم الكبير الذي قدمته مملكة البحرين إلى أبناء قطاع غزة إبان الحرب «الإسرائيلية» الأخيرة، والذي قوبل بالشكر والعرفان من أبناء القطاع، فما المشاريع الكبيرة التي أقامتها البحرين في القطاع، مدارس ومراكز صحية ومجمعات سكنية، إلا مؤشر على ما تتمتع به فلسطين وأبنائها من اهتمام ورعاية من قبل الدولة البحرينية.- ورق أبيض..«يزيدنا فخراً واعتزازاً أن أهل البحرين الكرام بمـا توارثوه من عادات وقيم وبما حباهم الله به من نعم وبوعيهم الوطني العميق وبانتمائهم إلى هذه الأرض، قد تمسكوا دوماً بولائهم المطلق لدينهم ووطنهم وعروبتهم مبدين عزمهم الصادق وساعين لكل ما من شأنه رفعة وطنهم وعزته ونهضته ورقيه».. من خطاب جلالة الملك.