لا يعني (الاحتفاء) باللغة العربية الاحتفال بيومها السنوي الذي خصص له الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، بإمكان الآخرين أن يقدموا لنا ذلك عربون احترام وتقدير، أما نحن، أهل العربية، فإن تدابيرنا يجب أن تختلف وأن تتجاوزها إلى إعادة بعث العربية لغة تواصل وتأثير في مجالات العلم والعمل وفي المجال الاجتماعي.هذا العام خصصت منظمة اليونسكو الخط العربي مجالاً لاحتفالها باللغة العربية؛ باعتباره مظهراً فنياً من مظاهر الثقافة العربية، وسوف تقيم منظمة اليونسكو معارض للخط العربي من إنتاج خطاطين مبدعين في هذا الفن. وسوف تنسج الدول العربية، في الغالب، احتفالاتها بيوم اللغة العربية على هذا المنوال؛ إذ ستقيم المعارض المتعددة للخط العربي أو تنظم مسابقات لأجمل لوحة فنية بالخط العربي، وتعقد الندوات والمحاضرات عن تاريخ الخط العربي وتطور فنونه. ولكن هل يعني هذا أن الخط العربي فن أو فلكلور عربي فحسب؟!في السابق، كانت حصة الخط حصة أصيلة في الجدول الأسبوعي لمادة اللغة العربية، وقد اعتمدت أغلب الدول العربية كراسات خاصة لتعليم مبادئ الخط العربي وخصوصاً خطي النسخ والرقعة. كما كان العقاب الثابت لأي تقصير للطلبة في مادة اللغة العربية هو نسخ الدرس مرتين أو ثلاثاً مشكلاً بالحركات وبخط واضح. الآن تلاشت هذه المظاهر تقريباً. اختفت كراسة الخط، وصار نسخ الدرس وسيلة غير تربوية لتعليم اللغة!، وتراجع الاهتمام بتعليم مبادئ رسم الخط العربي من مناهج تعليم اللغة العربية؛ بالتالي ساءت خطوط الأجيال الجديدة من الطلبة بشكل واضح، فضلاً عن عدم إتقان العديد من المعلمين المستجدين لأساسيات رسم الخط العربي. ويزيد الأمر سوءاً وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد على (اللمس) في الكتابة والتي شكلت بديلاً قوياً وفاعلاً عن استخدام الورقة والقلم في الكتابة. بالتالي فإن الاحتفاء بـ (الخط العربي) في اليوم العالمي للغة العربية يجب ألا يقتصر على المعارض الفنية؛ بل يتجاوزه إلى وضع استراتيجية تربوية تعيد للخط وللكتابة اعتبارهما في مناهج تعليم اللغة العربية. فإذا كانت الكراسة والحصة الأسبوعية تقليداً قديماً. فلنبتكر أسلوباً جديداً يتناسب مع معطيات العصر ومع التوجهات التربوية الحديثة.إشكالية الخط العربي نموذج لتحول مجالات اللغة العربية إلى فلكلور والتقصير في تطويرها وإشاعتها وإعادة بهائها في الثقافة الحالية. إذ إن الاهتمام بالشعر العربي والسرد العري لم ينالا حظاً أوفر في الثقافة العامة على مستوى الحكومات العربية، وفي التعليم بالخصوص. وإذا سألنا الطلبة وأولياء أمورهم عن توجهاتهم في تعلم اللغة العربية، فإنهم وبكل صراحة سيبدون عدم اكتراثهم بها، ويفضلون عليها اللغة الإنجليزية لأنها تمثل لغة التعليم المتطور ولغة المهن الرفيعة. لذلك فمن النادر أن تجد ولي أمر يحرص على توفير القصص العربية ومجلات الأطفال العربية لأبنائه، بالصورة التي تمتعنا نحن بها.وليس من العسير إثبات خطأ الفرضية السابقة، فالعديد من الطلبة الذين اهتموا باللغة الإنجليزية على حساب لغتهم العربية قد التحقوا بوظائف في الوزارات الحكومية التي تعتمد اللغة العربية لغة رسمية، وكم كانت الخيبة واضحة حين تتطلب منهم مهامهم الوظيفية كتابة مذكرة أو تقرير أو تعليق باللغة العربية. ولأن بعض هؤلاء قد تخرجوا من جامعات أجنبية أو من تخصصات تدرس باللغة الإنجليزية، وهم يطمحون للترقي الوظيفي في المؤسسات الحكومية التي يعملون به. فلنا أن نتخيل وجود مسؤولين لا يجيدون كتابة فقرة وأحياناً جملة بلغة صحيحة دون أن يخلط بين التاء المفتوحة والمربوطة ودون أن يضيع في دوامات الهمزات. أليس للغة العربية إذن وجهاً (برغماتياً) يتعين على الثقافة الرسمية وعلى التعليم التنبه له وإشاعة ثقافته وأهميته بين الطلبة وأولياء أمورهم؟والوجه البرغماتي للغة العربية هو في حقيقته أحد أدوات الهوية للتعبير عن نفسها، فنحن نعيش في محيط عربي، ونعمل مع محيط عربي، ولأجل محيطنا العربي. فكيف نقوم بكل ذلك بلغة تواصل أجنبية، أو بلغة محلية ركيكة؟ في يوم اللغة العربية نتمنى أن يعود لصاحبة الجلالة عرشها. وأن تستعيد مملكتها العظيمة. وألا يتحول الاهتمام باللغة العربية إلى إحياء للتراث وإلى احتفالات فلكلورية قد تؤطر بإطار حداثي. وكل عام والعربية بألف خير.
Opinion
في اليوم العالمي للغة العربية.. العربية ليست فلكلوراً
18 ديسمبر 2014