يبدو أن يد الإرهاب في العالم بدأت تتمدد بشكل مخيف، حتى لا يكاد يمر يوم من دون أن يترك الإرهاب فينا بصماته الدامية، وفي جثث الأطفال والنساء والأبرياء، وفي الأسواق والمتاجر والمدارس والشوارع وفي كل مكان نتوقعه أو لا نتوقعه.الإرهاب ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل والعناية، فما يجري حول العالم من كافة أشكال الإرهاب، يعتبر أمراً في غاية الخطورة، كما أصبح سلوكاً عابراً للقارات، لن ينجو منه أحد من الناس على الإطلاق. الغريب في هذه المسألة، أنه وفي كل يوم جديد، تنضمّ مجموعات كبيرة جداً إلى هذه التنظيمات الإرهابية ومن دول لا يمكن للعاقل أن يتخيلها، وكأن ما يجري اليوم هو محاولة حقيقية لعولمة الإرهاب، وهذا ما يحصل بالفعل.إن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تكون بطريقة عشوائية أو عنيفة أو عبر ردود أفعال عاطفية مُجردة، بل تحتاج المسألة إلى دراسة علمية وعملية كما أشرنا في بداية حديثنا هذا، لأن ما نجده اليوم أمام أعيننا من استخدام أساليب عنيفة لضربه وضرب أتباعه لن تأتي ثمارها، إن لم يكن العكس هو الصحيح، إذ كلما تم ضرب الإرهاب بطريقة غير مدروسة وجدنا أنه ينتشر ويتكاثر بصورة سريعة.في هذه الأجواء، يجب على الدول الإسلامية أن تراجع مناهج التعليم، والتعليم الديني منه على وجه الخصوص، كما يجب مراقبة الأسرة لأبنائها بطريقة سويِّة ومستمرة، كما على الدول مراقبة المنابع التي يتخرج منها آلاف الشباب من الجهاديين، ونعني بذلك دور العبادة والأوكار التي تتم فيها عمليات غسيل الأدمغة، والأهم من كل ذلك معالجة قضايا الشباب بطريقة علمية وحضارية، من أجل احتوائه، وإيجاد بدائل حقيقية لاحتضان هذه الفئة على وجه التحديد.من الضروري كذلك أن تتوقف الكثير من الدول الداعمة للإرهاب المنظم عن دعمها الواضح للإرهابيين في سبيل تحقيق أغراض سياسية ضيقة، كما يجب على الدول الكبرى أن تغير من سياستها تجاه المجاميع الإرهابية، إذ إنها تقوم بمحاربتها في بعض الدول، وتدعمها في دول أخرى، وهذه من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي تقوم بها دول الغرب، كما عليها أن تدرك جيداً أن العنف كوسيلة وحيدة، لا يمكن لها أن تحل قضايا الإرهاب.الأهم في هذه المسألة الأخيرة، هو أن تغير الدول الكبرى من سياساتها المزدوجة حيال الدول والشعوب الإسلامية، وأن تتعامل مع الإرهاب كقضية واحدة لا تتجزأ، كما على تلك الدول أن تقدم للشعوب الأخرى نماذج صادقة وحية للديمقراطية في داخل أوطانها وفي خارجها، وأن تمسح الصورة القاتمة للديمقراطية المزيفة، كما أثبتت ذلك فضائح سجن أبو غريب وغوانتانامو، كذلك من الضروري أن تدعم الدول الغنية كافة الدول الفقيرة وتقدم لها يد العون والمساعدة وفق قيم الإنسانية وليس وفق المصالح الخاصة.هذه بعض الرؤى العملية التي يمكن أن نتبناها في محاربة الإرهاب عبر القارات، أما ما يجري اليوم من عمليات عشوائية فهي لن تعالج القضية بقدر ما تعتبر وسائل تأزيم وتأصيل لفكرة الإرهاب في كل العالم، بل إن الوسائل التي تتخذها واشنطن وربيباتها في عواصم الدول الأخرى، جعلت الناس تتعاطف مع الإرهاب، ليس حباً فيه، ولكن بغضاً لأمريكا، وهذا من أبشع أنواع الانحراف الفكري الذي أصاب مجتمعات هي في الأصل، من أبرز المجتمعات الموتورة وغير السوية في هذه المرحلة من تاريخنا الحديث.
Opinion
عولمة الإرهاب وسبل معالجته
19 ديسمبر 2014