يقولون في الأمثال؛ خذوا العبرة والكلمة الصادقة من أفواه أطفالكم، حيث يظهرون ما في دواخلهم بصدق وشفافية من دون تخطيط أو سابق تكتيك غير آبهين لمدير أو مسؤول كبير؛ إلا أنهم بذكائهم الخارق لابد أن يراعوا في حسبانهم سعادة أمهم وأبيهم، لأنهما بنظرهم هما الهرمان الأساسيان اللذان يسعون إلى إرضائهما في المقام الأول كي يحافظوا على جميع الامتيازات التي يتطلعون إليها، والتي تتمحور بهدية بين الفينة والأخرى أو زيارة لبيت الجدة، الخالة أو العمة للعب مع أبنائهم أو إمضاء ساعات من أوقات المرح في أحد أماكن الترفيه الخاصة بالأطفال. لذا فعندما يقول الطفل «أحبك» أو يتصرف تصرفاً ما يوحي بحب اتجاه شخص أو شيء ما فاعلم أنه يتكلم بصدق من دون مغالاة أو مراوغة. فلم أعتقد أن طفلتي ذات الخمس سنوات والتي لاتزال تجهل الكثير والكثير من الأمور سوى الشؤون المتعلقة بالألعاب التي تجاري عمرها وبرامج الأطفال التلفزيونية التي تنسجم مع مخيلتها وتسرح بها، علمتني درساً نموذجياً بأن حب الوطن حباً يولد معنا بالفطرة، فنحن لا نقرره بل هو من دون إرادتنا حبه يجري في عروقنا وجذوره متأصلة فينا، وملامحه واضحة على محيانا لا يمكننا أن نمحوها مهما حاولنا أن نخفيها. فسمات بلد ما وتقاليده بالرغم من قدمها فهي تجري في عروق المواطن الوفي لهذا البلد أو ذاك ويتحدث عنها بكل عز وافتخار، فحقيقة مطلقة تقول أن بعد المسافات وطول الزمان لا يمكن أن يغيرا مشاعر الإنسان الدفينة تجاه بلده الأم وأنه سيبقى يحن لموطنه مهما كان.صراحة كنت أفرح كثيراً عندما أجد الفتيات البحرينيات بمختلف أعمارهن يلبسن «ثوب النشل»، أي الثوب التقليدي للسيدات في مملكة البحرين، ويضعن الحلي والزينة الخاصة به، ولكن كنت أستبعد هذا الأمر عن ابنتي باعتبار أنني شخصياً لم يسبق لي وأن ارتديت هذا النوع من الملابس، ولكن تفاجأت أنها وبعمر الثلاث سنوات طلبت مني أن أشتري لها واحداً.. فاستغربت طلبها!لبيت نداءها وأنا مقتنعة تماماً أن استخدامها له لن يتجاوز أياماً معدودة، ولكن المفاجأة الكبرى أن ابنتي لاتزال محتفظة بهذا الثوب ليومنا هذا، وفي هذه الأيام طلبت مني «ثوب نشل» جديداً وهي تردد أنا أريد ثوباً جديداً للاحتفال بعيد البحرين، ليكمل أخوها الحوار بأنه لابد أن نشتري قالب حلوى ونغني كل سنة والبحرين بخير. هذا التصرف العفوي هو خير دليل أن حب الوطن مزروع في دم كل إنسان حتى وإن كان ولد وترعرع على أرض أخرى، والدليل على ذلك لننظر إلى أنفسنا ورد فعلنا، في حال أن إنسان ما لا تربطنا به صلة قرابة ولكن يحمل هوية نفس موطننا الأصلي تعرض للأذى أو القمع أو القهر كيف نثور في داخلنا ونتلفظ بكلمات الغضب المستنكرة لهذا الحدث أو ذاك.فامتلاك جنسية البلد الجديد الذي نختار أن نعيش فيه تملي علينا الولاء لهذا المكان وأن نقدم له أيضاً التقدير والاحترام والتضحيات. فلاشك أن هذا الموطن الجديد استطاع أن يقدم لنا أكثر بكثير من موطننا الأم، إذاً ألا يستحق منا أن نعيش فيه بالولاء ونحيا به بالانتماء؟! وصدق من قال:وطني اُحبكَ لا بديلأتريدُ من قولي دليلسيظلُ حبك في دميلا لن أحيد ولن أميلسيظلُ ذِكرُكَ في فميووصيتي في كل جيلحبُ الوطن ليسَ ادعاءحبُ الوطن عملٌ ثقيلودليلُ حبي يا بلاديسيشهد به الزمنُ الطويل