من يتابـــع تصريحـــــات وتغريدات «المعارضة» ومن يعتبر نفسه محسوباً عليها يلاحظ أنها ترمي إلى تأسيس قناعة لدى العامة والعالم بأن «كل» ما تقوم به الحكومة غلط، وأن معالجاتها لـ «كل» الملفات غلط في غلط، وأنه لولا تلك المعالجات الخاطئة لما حدث ما حدث؛ بل لما هبط سعر برميل النفط! وأن الحل لـ «إنقاذ البلد وتطويره والارتقاء بالمواطنين» هو أن تسلم الحكومة القياد لـ «المعارضة» وتتركها تخيط وتبيط على كيفها ثم تنظر كيف هو «الشغل العدل». كل ما يقوم به هؤلاء في هذه الفترة على وجه الخصوص يصب في هذا الهدف، ذلك أنهم يعتقدون أن مثل هذه التصريحات والتغريدات من شأنها أن توصل الناس إلى قناعة بأن كل الأخطاء سببها الحكومة، وأن كل تقصير في أي مجال سببه الحكومة، بل إنه لولا أخطاء الحكومة وتقصيرها لما تأخر البرد هذا العام ولاستمتع المواطنون والمقيمون بالأجواء الشتوية ولأخرجوا ما أعدوا للشتاء من قوة ومن ملابس صوف.هكذا تعمل «المعارضة» وهذا ما تسعى إلى إدخاله عنوة في عقول المواطنين الذي تزداد الشرائح الرافضة لتصرفاتها ولما تطرحه يوماً بعد يوم، حيث تكتشف في كل مرة ما تعانيه هذه «المعارضة» من قلة خبرة ودراية ومن قصر نظر وافتقاد القدرة على وزن الأمور.في مقالات سابقة ذكرت والعديد من زملائي الكتاب أن السياسة مصالح وأنه لا يمكن لبريطانيا والولايات المتحدة وأي دولة لها مصلحة في المنطقة أن تفرط فيها من أجل سواد عيون هذه الجمعية أو تلك حتى لو كان ما تطرحه أروع من الروعة، كما أنه لا يمكن لهذه الدول أن تتعامل مع أحزاب لا أمل في وصولها إلى الحكم مهما فعلت، أو مع مجموعات لا قيمة سياسية لها ولا تأثير وتتخبط بسبب انعدام خبرتها وعدم فهمها للسياسة والعلاقات بين المكونات بأنواعها. هاهي بريطانيا أعطتهم الدليل على صحة هذا الرأي، فعندما وجد السفير البريطاني أن مصلحة بلاده تفرض قول كلمة الحق والوقوف إلى جانب الحكومة ودعمها لم يتردد عن تنحية كل ما يؤثر سلباً على ذلك عن طريقه وطريق دولته، فانتقد «المعارضة» وأسلوب عملها ورأى أنها لا تفكر إلا في نفسها وأنها لا تدرك ما يدور في المنطقة من تطورات وتهديدات تؤثر على الأمن والاستقرار والمستقبل. قبل يومين نشر أحدهم عدة تغريدات ينتقد فيها الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، قال ما معناه إن المنصف عبر قبل أن يتسلم منصب الرئاسة في تونس عن تعاطفه مع «المعارضة» البحرينية وأنه وعد بدعمها ومساندتها والوقوف إلى جانبها، لكنه نسي كل ذلك فور أن استراح على مقعد الرئاسة. أي أن من كتب تلك التغريدات اعتبر المرزوقي أسير منصبه وأنه كان يرمي إلى الوصول إليه وعندما تحقق له ما أراد رمى كل مبادئه وتصريحاته وراء ظهره وعاش حياته. هذه المثالية التي يحلم بها هؤلاء لا يمكن أن تتحقق في سياسات الدول، فلا يوجد دولة في العالم يمكن أن تفرط في مصلحتها من أجل إرضاء شخص أو مجموعة أو حزب، ولا يوجد مسؤول في العالم يتردد عن الإدلاء بتصريحات تناقض تصريحات سابقة له فقط كي يقولوا عنه إنه ملتزم ومثالي.الدول مصالح، وليس من عاقل في حكوماتها يفرط في مصالح بلاده وحكومتها من أجل أن يقال عنه إنه كذا أو كذاك، تماماً مثلما أنه لا يوجد عاقل يمكنه أن يعقتد أن تسلم هذا الطرف أو ذاك للقياد في هذا البلد أو ذاك يمكن أن يأتي بالدولة التي لم يأت بها أحد خصوصاً إن كان عديم الخبرة.