مع انطواء أيام عام 2014 ومتابعة الحصيلة السنوية لأحداثه وتطوراته على المستويات كافة العراقي والعربي والدولي، يتبين حجم الفجيعة التي عاناها العراق من ممارسات سلطة فاشلة لم تقدم للعراق وشعبه سوى وصفات الموت والخراب والجثث المتراكمة في أكبر مهرجان للموت المجاني والجزافي في تاريخ العرب المعاصر.لقد رحل عام 2014 وهو يجر خلفه أطناناً من الخيبة المعجونة بمعاناة ملايين العراقيين الذين ذهبت أرواحهم في معارك ومجازر كانت الذروة في انحدار وتلاشي وطن كان يملك من أسباب القوة والمنعة والنمو والتطور الشيء الكثير، ولكن الرياح الطائفية العاصفة السوداء قد هشمت كل أسس ومرتكزات الدولة العراقية الحديثة. لقد كان العام الراحل حافلاً بصور ولقطات مآس عراقية جماعية من التشرد والتدمير الذاتي والمنهجي والانهيار القيمي والسلوكي الذي جسدته، وعبرت عنه خير تعبير، ممارسات حكومة نوري المالكي التي سقطت ولكنها تركت ندوباً عميقة جداً وجروحاً لا تندمل بسهولة في الجسد العراقي النازف الذي تكسرت على تفاصيله النصال على النصال.ربما كان الإنجاز الأكبر الذي تحقق في العام الراحل هو رحيل حكومة المالكي الطائفية عن مسرح السياسة العراقية، وتركها لتلك التركة الثقيلة من الخيبات والهزائم التي توجت في منتصف العام بالضبط بتدمير شبه كامل للمؤسسة العسكرية العراقية، وضياع مليارات الدولارات هباء منثوراً، وخروج نوري المالكي من الفضيحة من دون أي تبعات قانونية أو سياسية أو جنائية! بل إنه وفي لحظات غفلة تاريخية تحول لمنصب أعلى، وهو النائب الأول لرئيس الجمهورية! فيما يحاول خليفته حيدر العبادي تصحيح ما يمكن تصحيحه، وبناء وضع مستقر في بلد لم يعد يعرف معنى للاستقرار منذ أن تحولت أرض العراق لتكون ساحة حربية لأمم الأرض وهي تصفي حساباتها الدولية في منطقة القتل العراقية المفتوحة!لقد ترسخت جذور وسلطة تنظيم «داعش» أي الدولة الإسلامية وفي المقابل تعززت الصفوف الطائفية المضادة بظهور ما يسمى جماعات «ماعش»! وهي الميليشيات الطائفية المسلحة التي ارتكبت الأفاعيل في المدن والقرى العراقية السنية ومارست حملات بشعة من التطهير الطائفي بعد أن تحولت لعصابات سائبة تحميها الشعارات ورغبات الحقد الانتقامي الطائفية الرثة.ثم كان التطور الأكبر مع دخول الجهد العسكري الإيراني في عمق الأزمة العراقية من خلال زيادة مساحات التورط والمشاركة في العمليات القتالية، حتى أضحى مألوفاً ومعروفاً أيضاً سقوط العشرات من قتلى الحرس الثوري الإيراني في البر والجو في معارك سامراء والأنبار وديالى وغيرها من المناطق الساخنة بعد أن جاهر الإيرانيون صراحة، وعبر قائد حرسهم الثوري في «فيلق القدس» قاسم سليماني بأنه لولاهم لسقطت بغداد وأربيل بيد الجماعات المسلحة والعشائر العراقية المقاتلة!هذا التصريح الذي لم تنفه الحكومة العراقية يعني أشياء كثيرة أهمها تآكل فعلي للسيادة الوطنية العراقية! كما إنه يؤكد على تورط إيراني متزايد في صراع دموي قاس، ربما تكون نتائجه النهائية تقسيم العراق وإطلاق رصاصة الرحمة على العراق الذي عرفه العالم بشكله وحدوده الحالية منذ عام 1921!حيدر العبادي وحكومته التي تسلمت المقاليد في الثلث الأخير من العام الراحل لا تبدو أبداً في وارد القدرة على إدارة ملف الصراع بشكل مريح في ظل استمرار حالة التطاحن الداخلي والفشل الكبير في الوصول إلى تفاهمات وطنية مشتركة تجنب البلد خيارات التقسيم والتشظي، فالنوايا الحسنة والكلام الطيب ليسا كافيين أبداً لمعالجة أزمة بنيوية مستعصية من نمط الأزمة العراقية المعقدة!رحل عام بكل فصوله الدموية المرعبة، وأطل عام لا يحمل في بداياته من تباشير الأمل سوى الوعود بمعارك دموية حاسمة في الأنبار والموصل وسامراء..! مما يعني استمرار النزيف المريع والتدهور الاجتماعي الذي عمقته أزمة انهيار السوق البترولية الدولية عام 2015 سيكون مفصلياً من لحظات تشكله الأولى على صعيد تقرير طبيعة المستقبل العراقي، فنزف الدماء لن يستمر إلى ما لا نهاية ولابد في نهاية المطاف من حلول معينة ستفرض، ولكن ما يبدو واضحاً منها لا يبشر بخير أبداً! لا نملك أمام هول الأحداث العراقية إلا الدعاء بأن يجنب الأمة الغمة وبأن يكون عام 2015 فاتحة خير ومقدمة لحقن الدماء وإعادة نسج رباط الوحدة الوطنية المقدس، لا نمتلك سوى الأمل وبالله نثق.*عن صحيفة «السياسة» الكويتية