من الطبيعي، بل من الطبيعي جداً أن تقلق إيران بسبب توقيف أمين عام الوفاق، فالوفاق بالنسبة لها رأس الحربة، والسبب الذي يعينها على التدخل في الشأن البحريني. من دون الوفاق تغيب كثير من الأعذار والمبررات ولا يكون لأي تصريح يصدر عن إيران في الشأن البحريني أي معنى، وبما أن عذر التدخل متوفر هذه المرة بشكل طاغ، لذلك لم يتأخر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن الإدلاء بما شاء أن يدلي به من تصريحات، تشد من أزر الوفاق، وتطمئن المنتمين إليها بـ «أننا معكم» قلباً وقالباً، وتؤكد لأمينها العام بأنه لن يترك وحيداً وأنها ستبذل - كما وعدت – كل جهد ممكن لإطلاق سراحه.لم تهتم إيران، لا للقانون ولا للأعراف الدولية ولا لأي شيء، فحالة القلق التي سيطرت عليها جعلتها تستعجل التصريح وتتخبط إلى الحد الذي دفع بوزارة الخارجية في البحرين إلى إصدار بيان أدانت فيه التدخلات الإيرانية المتكررة في الشؤون الداخلية للمملكة واعتبرتها «تدخلاً مرفوضاً وغير مقبول وتصرفاً غير مسؤول في إطار العلاقات الإقليمية والدولية وتتناقض مع مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي التي تؤكد على احترام سيادة الدول واستقلالها»، أي أن القلق الذي صارت تعيشه إيران منذ توقيف أمين عام الوفاق أدى بها إلى أنها لم تلتفت إلى كل هذه الأساسات وتنسى حتى الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وحرية التعبير التي تعاني منها. من تابع فضائية «العالم» الإيرانية منذ أن تسلمت خبر احتجاز أمين عام الوفاق لا شك أنه لاحظ مقدار الألم الذي سيطر عليها، فخصصت كل دقيقة من زمن إرسالها اليومي للضغط في اتجاه الإفراج عنه، فاستضافت «عناصرها» المعتمدين في برنامج «حديث البحرين» اليومي المخصص للإساءة إلى البحرين، وأدخلت خبر أمين عام الوفاق في كل نشراتها الإخبارية واستضافت فيها من شاءت ليصب في الاتجاه نفسه، بل إنها لم تعد تهتم حتى بالملفات الأخرى التي تعود مشاهدوها عليها، فالأولوية الآن هي لموضوع توقيف أمين عام الوفاق «المخالف للسنن الكونية». إلى جانب «السوسة» الإيرانية تفرغت فضائيات إيرانية ولبنانية وعراقية وغيرها لممارسة الدور نفسه، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق الهدف الذي تم الاتفاق عليه ويتكون من جزأين أساسيين، الضغط لإطلاق سراح أمين عام الوفاق، واستغلال الحدث لدعم الوفاق إعلامياً، وكلا الجزأين يصبان في إضعاف موقف البحرين التي اعتبروا ما مارسته من حق «إهانة للحريات وتعدياً على الديمقراطية». في وضع كهذا ينسى المتحمسون كل المبادئ والأعراف ولا يهتمون إن كان ما يقومون به يعد تدخلاً في شأن داخلي لدولة مستقلة، فالأمر بالنسبة إليهم جلل وبسببه تعمى حتى الدبلوماسية.في إيران يتم يومياً اعتقال مواطنين إيرانيين عبروا بطريقة أو بأخرى عن رغبتهم في الحرية، وفيها يتم يومياً إعدام المناوئين للحكم لأسباب واهية، وفي إيران تحدث يومياً مئات التجاوزات للقانون المحلي والدولي، لكن لا أحد يتدخل في ما يحدث هناك، والسبب هو أن الدول تحترم نفسها وتلتزم بمبادئ القانون الدولي والأعراف الدولية فتسكت حتى وهي ترى مقدار الظلم الذي توقعه إيران على مواطنيها الذين يختلفون معها في الرأي.لذلك فإنه من غير المقبول أبداً أن تتدخل إيران في شؤون غيرها، فما العلاقة بينها وبين جمعية الوفاق أو أمينها العام حتى تستنفر كل طاقاتها الإعلامية وتتجاوز كل الأعراف الدولية وتقحم نفسها في شأن داخلي صرف؟ ما لم تنتبه له إيران هو أن في البحرين أنظمة وقوانين يتم الالتزام بها وتطبق على الجميع وأن منها ما يوفر الحماية حتى للمحسوبين عليها، فلا تقلق.