علينا أن نعرف قبل أن نقيم برنامج عمل الحكومة الذي قدم أمس الأول للمجلس النيابي أن وضع وعمل ورسم برنامج للحكومة ليس مسألة جديدة أو مستحدثة، وكأن حكومة البحرين كانت تسير بلا برامج سابقاً، إنما الجديد هو عرضه على المجلس النيابي لإقراره وربط الثقة بالحكومة من خلال التصويت عليه.ثانياً كل الخطوات اللاحقة لتسليم البرنامج للمجلس النيابي هي سابقة وتجربة مثيرة تخوضها البحرين للمرة الأولى حكومة ونواباً وصحافة ورأياً عاماً ومؤسسات مدنية ومختصين، وبناء على ما ستمر به وما ستؤول إليه الأمور سنؤسس لأعراف ستأخذ بها الحكومات والمجالس اللاحقة.للمرة الأولى الحكومة تعرض برنامجها للمناقشة والجدل العام وليس جدلاً محصوراً داخل مجلس الوزراء فحسب، للمرة الأولى ولفترة زمنية قد تمتد إلى شهر كامل سيكون برنامج الحكومة موضوع نقاش في المجالس وفي الصحافة وفي وسائل التواصل الاجتماعي، فطبيعة النقاش ومستواه سيكون هو الآخر تحت المراقبة ورقيه في التعاطي والمخاطبة ومهنيته في الجدل الذي سيدور حوله كلها سيناريوهات ستبنى عليها أعراف وسوابق، وستشجع الحكومة أو العكس، على أن تتعاطى مع هذا الجدل على أرفع درجات الشفافية والانفتاح والأريحية في التعديل والتغيير الذي سيطلبه منها الرأي العام أو مجلس النواب، أو العكس. لذا فإننا وقبل أن نناقش فحوى البرنامج ومحتواه علينا أن نتفق أولاً بما هي التزامات الحكومة في تقديمها لبرنامجها، فالمادة الدستورية لم تشر إلى ضرورة وجود قانون منظم لهذا الاختصاص سوى في تبعات قبوله أو رفضه، إنما لم تحدد المادة الدستورية آلية تقديمه كأن تلزمها بتقديم التفاصيل ومؤشرات القياس للبرنامج، لذا وبأنها المرة الأولى والأمر مفتوح للاجتهادات فإن الحكومة اجتهدت هذه المرة في التفسير وقررت أن بإمكانها أن تقدم البرنامج دونهما وتركت الأمر لتطورات الأحداث وسياقها ولرد فعل المجلس النيابي على اجتهادها الخاص في التفسير.وللحق فإنه لا يمكن أن يكون أي طرف -نواباً كانوا أو أي رأي عام- وجهة نظر موضوعية وأمينة عن أي برنامج حكومي لأي دولة -والذي قد يكون أفضل برنامج- إنما دون أن يكون مصحوباً هذا البرنامج بالتفاصيل ومؤشرات القياس والميزانية كرزمة واحدة «باكيج» فلا أستطيع أن أحكم عليه أو أن أقيمه تقييماً موضوعياً، بل إنه حتى الحكومة نفسها لا يمكنها أن تقيم برنامجها دون أن تطلب من الوزارات إعطاءها التفاصيل حول كيفية تحقيقه وتطلب منها أن تحدد مؤشرات قياس تلك البرامج لمعرفة إن كانت ستتمكن من تحقيق أهدافها أم لا، فأن تتوقع الحكومة من المجلس النيابي أو من الرأي العام الموافقة على برنامج دون تفاصيل وإقراره دون تحديد كلفته سيعتبر وكأنها ستتوقع منه أن يقبل أن يشتري سمكاً في الماء.هذه نقطة خلاف جوهرية ستطرح للنقاش العلني وللجدل حولها وسيكون هناك مؤيدون لوجهتي النظر ومخالفون لها، وذلك قبل الخوض في البرنامج نفسه وحيثياته وطبيعته، وفي اعتقادي أن التوافق حول هذه النقطة من خلال رقي الجدل ومهنيته ومشاركة الجميع فيه ستقودنا حتماً أن نبدأ بداية سليمة تخدم الصالح العام إما بتكريس أعراف سوية يبنى عليها أو ستضطرنا إلى البحث عن مخرج قانوني لوضع حد للخلاف -لو استمر- لا قدر الله.في النهاية إن ما يحدث في البحرين الآن جدير بالاحترام والتقدير والتقييم السليم وجدير بأن يعرفه العالم كله.
Opinion
قبل أن نحكم على البرنامج
08 يناير 2015