سقطت صنعاء بيد أذناب إيران بعد بغداد ودمشق وبيروت، وليس ثمة بارقة أمل تلوح في الأفق، كل المعطيات تؤشر أن حرب التجزيء والتقسيم تطرق الأبواب.2014 مر على اليمنيين مترعاً بالأحداث، متخماً بالفجائع، مشبعاً بالخذلان والأحزان، سقطت مدن، نهبت مؤسسات الدولة، أفرغت مخازن الجيش من عتادها، تقهقر الجيش «العرمرم» أمام الميليشيات، اهتزت أركان الدولة وتداعت، قتل أكثر من 7 الآف يمني، فماذا يحمل 2015 في جعبته من مزيد؟!2015 بدأ في اليمن مخضباً بالدماء، مبشراً بمستقبل أسود قاتم، القتل يواجه بالقتل، وبندقية تقابل بندقية، والعنف يولد عنفاً أشد وطأة وضراوة، الجميع اتفقوا على قتل حمامة السلام، وتحطيم غصن الزيتون، اتفقوا على ألا يتفقوا على ما يجمع اليمنيين ويوحدهم، اتفقوا أن يجهزوا على ما تبقى من جسد الدولة المتهالك، اتفقوا ألا لغة تحسم الموقف سوى لغة الخيانة والرصاص.عبدالملك الحوثي «سيد الحرب»، يواصل حشد أتباعه وجلهم أطفال لم يبلغوا الثامنة عشرة -حسب تقارير منظمات دولية- يوالي زحفه لقضم اليمن الدولة والشعب، مدينة مدينة وقرية قرية، لينصب نفسه سيد طهران الأول على أرض اليمن.لا أحد يتوقع أن ينهي أبطال المسرحية الهزلية «الرئيس هادي وسلفه المخلوع والحوثي والقاعدة» صراعهم قريباً، فالتناقضات تزداد وتتسع بينهم بمرور الأيام، والكل يرغب بالكعكة كاملة، والحل المطروح على الساحة يقارب المثل الشعبي القائل «مقسوم لا تأكل، وصحيح لا تقسم، وكل حتى تشبع!». الواقع الأمني المتردي على الساحة اليمنية اليوم، يقابله انهيار اقتصادي بات على الأبواب، الداعمون الخليجيون يترددون في إرسال الأموال لدولة تخضع لسلطة ميليشيا تتبع إيران، 80% من الشركات النفطية أوقفت أعمالها، منافذ البلاد البحرية والجوية تغلق بأمر من أصبع خامنئي، والدولة ستعجز عاجلاً أم آجلاً عن دفع مستحقات موظفيها، وربما تعلن إفلاسها بغضون أشهر إن لم يستجد جديد. بوادر الخلاف بين الحوثي وقوى المخلوع علي عبدالله صالح بدأت تطفو على السطح، وقد ينقضون تحالفهم بأية لحظة، فالمخلوع يشعر بأن الجيش وبعض وجهاء القبائل موالون له وعليه فاليمن ملكه، والحوثيون بالمقابل ينفشون ريشهم متباهين بـ»النصر العظيم» كما وصفته طهران، ولا ينؤون يدسون أيديهم المترعة بالنقود بجيوب أصحاب الفاقة والعازة تعزيزاً لقاعدتهم الشعبية.في الطرف المقابل يعد الرئيس هادي العدة لانفصال الجنوب والاستفراد به، فميليشيا الحراك الجنوبي المدعومة منه تعمل على قدم وساق لزعزعة الأمن والاستقرار والمطالبة بانفصال طال انتظاره عقدين من الزمان، وربما تشهد عدن في قادم الأيام تسارعاً دراماتيكياً، شبيهاً بما حصل في صنعاء.ولعل أكثر ما يميز المشهد اليمني، ويضعه على شفير حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، التناقض العقائدي الحاد بين الحوثي «الميليشيا الشيعية التابعة لإيران»، وقوات القاعدة «الجناح السني الجهادي»، فبينما تجهد الحركة الحوثية لإضفاء القداسة على زعيمها، وإغراء المراهقين بالأموال للانضواء تحت لواء الميليشيا، نجد القاعدة تتمدد وتجذب الشباب المناهض للتشيع واليائس من تخاذل الدولة وجيشها.هذا المشهد البائس لاشك سيضع مخرجات الحوار الوطني أمام باب مسدود، والدستور المتوقع خروجه للعلن يناير الحالي، سينقلب عليه الحوثيون إن لم يتضمن مبادئ وأسساً تسهل لهم السيطرة على مفاصل الدولة، فهم ليسوا على استعداد لتقديم تنازلات، بعد أن سيطروا على معظم مقدرات البلاد. إيران اليوم تكمل سيطرتها على اليمن قطعة قطعة، بينما يغط العرب في سبات عميق، وسيحاول الإيرانيون السيطرة على الجنوب اقتصادياً عبر بوابة المنطقة الحرة في عدن، وحقول النفط في شبوة وحضرموت، وبإحكام سيطرتهم على باب المندب يحكمون الطوق على طريق تجارة العالم.