الأعداد القليلة التي شاركت في مظاهرات تم تنفيذها في بعض القرى أخيراً احتجاجاً على توقيف أمين عام الوفاق كانت لافتة، فقد كان المتوقع بناء على «الإعلام الثوري» والمساندة الإعلامية الكبيرة من القنوات السوسة أن تقف البحرين على رجل واحدة ولا تهدأ، وتكون الأعداد المشاركة في تلك المظاهرات مذهلة، ما يثير سؤالاً عن وزن جمعية الوفاق في الشارع رغم كل الشهرة التي حظيت بها. تناقض يستحق البحث والدرس، فلماذا لم نجد المظاهرات الضخمة احتجاجاً على توقيف أمين عام الوفاق؟ لماذا لم يخرج سوى القليلين وأكثرهم من الشباب الصغير في مظاهرات هنا وهناك سرعان ما تنتهي بشكل طبيعي أو نتيجة محاولات رجال الأمن فرض الأمن وتطبيق القانون؟ ولماذا لم تزدد الأعداد بالشكل اللافت بعد دعوة الشيخ عيسى قاسم الواضحة للاستمرار في الاحتجاج، وهو ما يعني أن مشاركة رجال الدين في تلك المظاهرات لم تعد فرض كفاية؟ من الطبيعي والحال كذلك أن يلجؤوا إلى خيار التخريب والمواجهات، لذا لوحظت في اليومين الماضيين عودة عمليات اختطاف الشوارع وإشعال النيران في إطارات السيارات وتعطيل حياة الناس والدخول في مواجهات مع رجال الأمن، كما لوحظت عودة الدعوة القديمة التي لم تنجح باعتماد المنامة منطلقاً للاحتجاجات. ومن الطبيعي والحال كذلك أن تتم محاولة شحن المصلين في مثل هذا اليوم ليخرجوا في مسيرات ومظاهرات تظهرها الكاميرا بأنها حاشدة. أسلوب الاحتجاج على ممارسات قانونية بالخروج في مظاهرات لم يعد يجد له سوقاً في البحرين، فالجمهور الذي ظل طويلاً يطالب بإنفاذ القانون لا يمكن أن يقف في وجهه، فما يراه من الحكومة في ما يخص تحويل أمين عام الوفاق إلى النيابة العامة وممارسة النيابة العامة لدورها حسب النظام والقانون يستحق الثناء لا الاحتجاج وإن كان ذو العلاقة سياسياً، فهذه الممارسة الحضارية ظل الناس في البحرين يطالبون بها كثيراً ومن غير المعقول أن يرفضوها اليوم. ولأن الجمهور المعني هنا ليس ذاك المحسوب على طرف دون آخر، لذا فإن من الطبيعي أن تكون الأعداد المشاركة في الاحتجاجات قليلة وغير ذات تأثير. المشاركون في المظاهرات التي سيرتها وتسيرها الوفاق قليلون، وسيظلون قليلين حتى مع دعوة الشيخ عيسى قاسم للاستمرار في الاحتجاج بكل السبل، وستظل هذه المظاهرات من دون تأثير، خصوصاً وأن المشاركين فيها جلهم من الشباب الصغير لزوم النصاب والصورة.كان الأولى من كل هذا مراجعة الوفاق لاستراتيجيتها والذهاب إلى عقد ندوات واجتماعات تناقش فيها الوضع والاتهامات الموجهة لأمينها العام، خصوصاً وأن أسلوب الاحتجاج على لجوء الحكومة إلى النيابة العامة لا يجدي ولا يمكن لدول العالم وحتى الجمعيات السياسية الأخرى أن تنتقده، فهو أسلوب حضاري يعبر عن احترام الحكومة للجميع واحترامها للقانون والأنظمة المعمول بها، فالحكومة لم تقم باعتقال أمين عام الوفاق ولكنها حققت معه وفق القانون وأحالته إلى النيابة العامة وفق القانون وتركت الأمر للنيابة العامة التي لا يمكن منطقاً إلا أن تنحاز لما تراه صحيحاً، لذا فإن أحداً لم يستطع فعل شيء لقرارها توقيف أمين عام الوفاق مدة سبعة أيام على ذمة التحقيق، ولم يستطع أحد فعل شيء أيضاً لقرارها توقيفه لمدة خمسة عشر يوماً. موضوع إطلاق سراح أمين عام الوفاق ليس في يد الحكومة وإنما في يد النيابة العامة، لذا فإن كل أشكال الاحتجاجات التي تحاول الوفاق الضغط بها على النيابة العامة لا قيمة لها وإلا ما قيمة النيابة العامة لو أنها ترضخ لمثل هذه الاحتجاجات؟ عندما تجد النيابة العامة أن الموضوع يستحق الإحالة إلى المحكمة فستفعل، ستفعل حتى لو نمت الأعداد المشاركة في تلك المظاهرات.