قبل سنوات ليست بالقليلة كان لي صديق يملك باصاً صغيراً للنقل الجماعي، وكان يعمل على الباص كسائق أصبح فيما بعد مثالاً يتندر به، فذات مساء وهو في فترة العمل وأثناء سيره في الشوارع سرقت منه بطارية السيارة! نعم هذا ما حصل بالضبط، ركب معه أحد الأشخاص يحمل بيده كيساً كبيراً وقوياً وجلس خلف السائق بالضبط وبينما السائق منشغل بالقيادة واستماع الأغاني واستخدام «الهورن» بمناسبة وغير مناسبة، راح اللص يفك البطارية التي كان موقعها تحت مقعد السائق بالضبط، ولأن الباص كان يعمل بالديزل لم يؤثر رفع البطارية على عمله، ومع كبر حجمها وثقل وزنها استطاع اللص إدخالها في الكيس الكبير وطلب من السائق النزول، فأنزله دون أن ينتبه إلى ما فعل ذلك الراكب، وعندما اكتشف الأمر وبعد أن استرجع ذاكرته عرف ما حدث والطريقة التي سرق بها، فأخبر صاحب السيارة وزملاءه، ومن يومها وصيته ذائع بين سائقي الباصات الذين يتندرون به فكيف سرقت البطارية من تحته، ومهمة السائق تنحصر في المحافظة على سلامة الركاب وسلامة السيارة، إلا أنه لم ينتبه لكليهما.من المقبول أن تكون هذه الحادثة مثاراً للسخرية فالخسارة بسيطة ومستوى إدراك ذلك السائق وما يتعلق بعمله بسيط أيضاً، لكن عندما يتعرض وكيل وزير الدفاع للاختطاف فتلك مصيبة كبيرة، وهذا ما حصل قبل أيام في ليبيا التي اختطف مجهولون فيها العميد «مسعود أرحومة» وكيل وزارة الدفاع الليبية، مهزلة بكل المقاييس فوزارة الدفاع تعد أعلى وأوسع سلطة أمنية، مهمتها الحفاظ على أمن البلاد من الأخطار الخارجية وإن عصفت بالبلاد أحداث عنف لا تقوى الشرطة على مواجهتها عندئذ تتولى وزارة الدفاع المهمة وتقع المسؤولية على عاتق قيادة الوزارة ورؤوسها، فكيف ستوفر وزارة الأمن للمواطنين إذا لم تستطع توفيره للرجل الثاني فيها؟! وإذا كان اللص قد سرق البطارية من تحت مقعد السائق، فالجماعة المجهولة في ليبيا تمكنت من سرقة وكيل وزير الدفاع من وزارة مهمتها الحفاظ على الأمن، فهل هذا احتراف عالي المستوى في الجريمة أم أن قيادة وزارة الدفاع الليبية لا تستحق أن تكون في هذا المكان؟ أياً كان الجواب فالواقع يؤكد أن ليبيا انهارت بشكل كامل ولم تعد دولة مؤسسات وتحولت إلى دولة ميليشيات.ثلاث سنوات مضت على إسقاط نظام القذافي وليبيا تنتقل من فشل لآخر، وما يسمى بالربيع العربي أهم ثماره حتى اللحظة إسقاط هيبة الدول ومؤسساتها وإثارة الفوضى وانتشار الميليشيات بدل الجيوش النظامية.
Opinion
بطارية صديقي ووكيل وزير الدفاع
10 يناير 2015